Would you like to read this page in English?
Yes

"تمنيتُ لو أرقد وأموت"

الإتجار بالإريتريين وتعذيبهم في السودان ومصر

"تمنيت لو أرقد وأموت"

الإتجار بالإريتريين وتعذيبهم في السودان ومصر

خريطة
الملخص
التوصيات
إلى الحكومة المصرية
إلى الحكومة السودانية
إلى الحكومة الأثيوبية
إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين
إلى جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي
إلى الحكومات المانحة التي توفر الدعم للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومصر وأثيوبيا والسودان
منهج التقرير
. الخلفية
الإريتريون الهاربون
اللاجئون الإريتريون في القرن الأفريقي وفي مصر
مخيمات اللاجئين في شرق السودان
مخيمات اللاجئين في أثيوبيا
الإريتريون في القاهرة
. الإتجار بالإريتريين في السودان
التحوّل من التهريب إلى الإتجار في شرق السودان
اختطاف وانتهاك وتعذيب ضحايا الإتجار في شرق السودان
الإحالة إلى المتجرين المصريين
تواطؤ قوات الأمن السودانية مع المتجرين في شرق السودان
III. الإتجار بالإريتريين في مصر
انتهاكات المتجرين في سيناء
العنف والابتزاز والعمل الجبري والموت
أعداد الضحايا ومدد الاحتجاز وهويات المتجرين ومواقعهم
محاولات المجتمع المحلي لوقف الإتجار
تواطؤ عناصر من قوات الأمن المصرية مع المتجرين
التواطؤ لدى النيل
التواطؤ لدى الحواجز الأمنية
التواطؤ لدى قناة السويس
حالات تواطؤ أخرى في سيناء
. إخفاق السودان ومصر في التحقيق في الإتجار بالبشر والتواطؤ والتعذيب
الالتزامات القانونية
التزامات التحقيق في الإتجار والانتهاكات ذات الصلة وتواطؤ قوات الأمن مع المتجرين
الالتزامات بالتحقيق في التعذيب
خطوات السودان المحدودة على مسار التحقيق
الإخفاق المصري في التحقيق
إنكار مسؤولين مصريين للإتجار والانتهاكات المتصلة به في سيناء
الإقرار الجزئي بانتهاكات المتجرين من قبل لجنة مكافحة الإتجار
المردود المحتمل للعمليات العسكرية المصرية في سيناء أواخر عام 2013
السياق العام لسيناء
. مصير ضحايا الإتجار الهاربين والمفرج عنهم
إطلاق قوات الأمن المصرية النار على الحدود
الاحتجاز التعسفي في مراكز الشرطة في سيناء
قرار الاحتجاز
عدم إتاحة مقابلة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أو إجراءات اللجوء للمحتجزين
أوضاع الاحتجاز والافتقار للرعاية الطبية وأوجه المساعدة الأخرى
نقل الإريتريين إلى أثيوبيا
مساعدات المجتمع المحلي لضحايا الإتجار ونقلهم إلى القاهرة
عدم قدرة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين على الوصول للمحتجزين خارج سيناء
شكر وتنويه

قصة أحد الناجين

قالت مجموعة الخاطفين الأولى إن علي دفع مبلغ 3500 دولار. عصبوا أعيننا جميعاً وقيدوا أيدينا وأرجلنا بالسلاسل وربطونا هكذا إلى بعضنا البعض. هددوا ببتر أعضاءنا إن لم ندفع المبلغ المطلوب. ورغم أن عائلتي سددت المبلغ، فلم يفرجوا عني، بل باعوني إلى مجموعة ثانية.

قال الخاطفون الجدد إن علينا دفع 33 ألف دولار لأنهم اشترونا من المجموعة الأولى، وأن علينا أن نساعدهم في استعادة نقودهم.

ضربوني بماسورة معدنية. صبوا البلاستيك المذاب على ظهري. ضربوني على أخمص قدمي ثم أجبروني على الوقوف لفترات طويلة، وأحياناً لأيام. أحياناً يهددون بقتلي ويضعون سلاحاً لصق رأسي. علقوني من السقف وكانت قدمي لا تلامسان الأرض، وصعقوني بالكهرباء. مات شخص بعد أن علقوه من السقف لمدة 24 ساعة. راقبناه وهو يموت.

كلما اتصلت بأقاربي لأطلب منهم السداد، كانوا أثناء المكالمات يحرقونني بعصا حديدية ساخنة، حتى أصرخ في الهاتف. لم نتمكن من حماية السيدات في حجرتنا. كانوا يأخذوهن ويغتصبوهن ثم يعيدوهن. لم يتركونا ننام، وحسبت أنني موشك على الموت، لكن في النهاية تمكنت مجموعة منّا من الهرب.

مقابلة هيومن رايتس ووتش، 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، رجل إريتري يبلغ من العمر 23 عاماً اختطفه المتجرون قرب مخيم شقرب للاجئين في السودان في مارس/آذار 2012. سلمه هؤلاء المتجرون إلى متجرين مصريين جنوبيّ مصر، وقد احتجزوه في سيناء مع 24 رجلاً آخرين و8 سيدات لستة أسابيع.

قصة مُتجِر بالبشر

أشتري الإريتريين من بدو آخرين بالقرب من قريتي، الواحد بعشرة آلاف دولار. حتى الآن اشتريت نحو مائة. أضعهم في كوخ صغير على مسافة 20 كيلومتراً من حيث أعيش، وأدفع أجراً لرجلين لحراستهم. عذبتهم لكي يدفع لي أقاربهم النقود لأتركهم يذهبون لحال سبيلهم. عندما بدأت قبل عام، كنت أطلب 20 ألف دولار عن كل شخص. مثل الجميع، بدأت في زيادة السعر. أعرف أن هذه نقود حرام، لكنني أؤدي هذا العمل على كل حال. هذا العام جنيت 200 ألف دولار أرباح.

أطول مدة لاحتجاز شخص لدي كانت سبعة أشهر، وأقصر مدة كانت شهراً. أخر مجموعة كانت 4 إريتريين وقد عذبتهم جميعاً. حملتهم على الاتصال بأقاربهم وطلب 33 ألف دولار عن كل واحد منهم. كنت أحياناً أعذبهم وهم يتكلمون في الهاتف حتى يسمع الأقارب صراخهم. فعلت بهم ما أفعله بالجميع. كنت أضربهم على أقدامهم وأرجلهم، وأحياناً على البطن والصدر، بعصا خشبية. كنت أعلقهم في وضع مقلوب، وأحياناً لمدة ساعة.

مات ثلاثة منهم لأنني ضربتهم بقسوة. أفرجت عن الشخص الذي دفع النقود. نحو 2 من كل 10 أشخاص أعذبهم يدفعون المبلغ الذي أطلبه. يدفع البعض أقل وأفرج عنهم. يموت آخرون من التعذيب. أحياناً يتدهور حال الإصابات وأنا أريد تعذيبهم أكثر، فأعالج إصاباتهم بالضمادات الطبية والكحول.

أضرب النساء، لكن ليس الأطفال، ولم أغتصب أحداً. لا يعرف أبوي بهذا الأمر ولا أريد لهما أن يعرفا. لست مهتماً بالكلام مع أي أحد يريد منعي مما أفعله. الحكومة لا تكترث ولهذا لا يهمني إذا تكلمت معك في هذا الموضوع. لن تفعل الشرطة أي شيء لوقفنا لأنهم يعرفون أنهم إذا جاءوا إلى قريتنا فسوف نطلق النار. قد يحاول الجيش القبض علينا، لكنني شاب ولا أفكر في هذا.

بدأت في هذا الأمر لأن لم تكن معي نقود، ورأيت آخرين يجنون الكثير من النقود بهذه الطريقة. أعرف 35 شخصاً آخرين يبيعون الإريتريين ويعذبونهم في سيناء. نحن 15 شخصاً نقوم بهذا العمل حيث أعيش، ونحن جميعاً نعيش قريباً من أحدنا الآخر. نحن من قبائل مختلفة. بعضنا يشتريهم ويبيعهم لآخرين لا أكثر، والبعض يعذبهم للحصول على نقود أكثر. مقابلة هيومن رايتس ووتش مع خاطف يبلغ من العمر 17 عاماً يعيش قرب العريش في سيناء. 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2012.

قصة شاهد عيان

عندما أرى المحتجزين [ضحايا إتجار سابقين محتجزين في مراكز شرطة سيناء] أرى آثار الحروق على أيديهم وأذرعهم. بعضهم مصابون بخلع في مفصل المعصم وكسور في الأصابع. يقولون إن هذه الإصابات بسبب قيام الخاطفين بثني معاصمهم وأصابعهم إلى الخلف، وفي أوضاع مؤلمة. في بعض الحالات رأيت أصابع مبتورة، عادة الأصبع الأوسط. بعضهم مصابين بإصابات في الرأس. بعضهم لا يمكنهم المشي لأن الخاطفين أوثقوا رباطهم لمدد طويلة أو ضربوهم على أقدامهم أو سيقانهم، لدرجة أنهم يحتاجون للمساعدة في الوقوف.

عندما أسأل عن الإصابات يقول الإريتريون دائماً ما حدث لهم. أغلب النساء تقول إن الخاطفين اغتصبوهن ويشعرن بالخزي. قال لي البعض ذلك بشكل غير مباشر، على سبيل المثال بأن تقول السيدة إنها لم تأتها دورتها الشهرية. أخبروني بأن الخاطفين صعقوهم بالكهرباء وعلقوهم من السقف من أيديهم، وأحياناً مع ربط أيديهم وراء ظهورهم، ثم ضربهم على جميع أنحاء الجسم، بما في ذلك على الرأس.

الكثيرون بطبيعة الحال يمرون بصدمة بسبب التعذيب. الكثيرون أصيبوا بالجفاف وفقدوا الكثير من الدماء.

الشرطة لا تأخذ الناس إلى المستشفى. يقول لي بعض المحتجزين إن الشرطة ترفض نقلهم للمستشفى ويقول البعض إنهم رأوا محتجزين آخرين يموتون في مراكز الشرطة جراء إصاباتهم. عندما أتعرف على شخص مصاب إصابة خطيرة، أطلب من الشرطة نقله للمستشفى. أحياناً يوافقون وأحياناً يرفضون. عندما أتحدث مع الأطباء في مستشفى العريش، يسألني بعضهم لماذا يتعين عليهم علاج المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى إسرائيل ليتحولوا إلى مقاتلين يهاجمون مصر بعد ذلك.

مقابلة هيومن رايتس ووتش مع مصدر تم حجب هويته. 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2012.

خريطة

الملخص

لحملنا على الدفع، يسيئون إلينا. اغتصبوا النساء أمامنا وتركوهن عاريات. علقونا في وضع مقلوب. ضربونا وحرقونا في جميع أنحاء أجسامنا بالسجائر. مات صديقي أمامنا وتمنيتُ لو أرقد وأموت.
- ضحية إتجار إريتري متحدثاً عن الانتهاكات التي تعرض لها هو وآخرين على يد متجرين بالبشر مصريين في شبه جزيرة سيناء بمصر في مطلع عام 2012.
عندما بلغنا الحاجز الأمني لدى الجسر الكبير [على قناة السويس]... رأيت ثلاثة مُتجرين يخرجون ويتحدثون إلى الشرطة. تفحصوا السيارات الأخرى لكن ليست شاحنتنا. عاد المتجرون وركبوا وعبرنا الجسر.
- ضحية إتجار إريتري متحدثاً عما رآه من تحت غطاء في صندوق سيارة نصف نقل لدى الجسر المصري الوحيد الذي يعبر قناة السويس، عند القنطرة. يوليو/تموز 2011.

منذ عام 2006 فرّ عشرات الآلاف من الإريتريين من انتهاكات حقوق الإنسان الكثيرة وحالة الفقر المدقع في بلدهم، لينتهي بهم المطاف في شبه جزيرة سيناء بمصر. حتى عام 2010 كانوا يمرون عبر سيناء في العادة طوعاً ودون مشاكل، ثم يعبرون إلى إسرائيل. لكن على مدار السنوات الثلاث الأخيرة، تزايد تحوّل سيناء إلى طريق غير نافذ، يتعرضون فيها للأسر والقسوة والتعذيب والموت.

منذ أواسط عام 2010، وحتى نوفمبر/تشرين الثاني 2013 على حد علمنا، دأب متجرون سودانيون على اختطاف إريتريين في شرق السودان، لبيعهم لمتجرين مصريين في سيناء، عرضوا ما لا يقل عن المئات منهم لأعمال عنف بشعة من أجل ابتزاز مبالغ مالية ضخمة من أقارب هؤلاء الضحايا.

من الأساليب التي دأب المتجرون على استخدامها فتح خط الهاتف الخلوي مع أقارب الرهائن أثناء تعريضهم للأذى البدني. يسمع الأقارب الصراخ ويطلب الخاطفون فدية لإطلاق سراح الضحايا. روى العديد من الإريتريين للأمم المتحدة ولمنظمات غير حكومية معنية باللاجئين، ونشطاء، وصحفيين، عمّا تعرضوا له من اغتصاب وإحراق وتشويه وبتر لأطراف والتعرض للصعق بالكهرباء، وأشكال أخرى من العنف.

يدا ضحية إتجار إريتري مشوهة يقول إن المتجرين في سيناء تعرضوا له بالأذى، وقد لحقت بيديه إصابات مستديمة، وذلك لإجبار أقاربه على دفع عشرات الآلاف من الدولارات مقابل إخلاء سبيله. وصف الضحايا لـ هيومن رايتس ووتش الأساليب التي استخدمها المتجرون في سيناء لإجبارهم وإجبار أقاربهم على دفع الفدية، واشتمل ذلك على الاغتصاب، والحرق، وتشويه الأطراف، والتعليق لمدد طويلة من الكاحلين والمعصمين، والصعق بالكهرباء.

© 2013 Moises Saman/Magnum

ضحية إتجار إريترية تتعافى من جراحة زرع جلد في القاهرة، مصر، بعد أن قيدها المتجرون في سيناء من كاحليها، ما أدى إلى عدوى حادة. وصف ضحايا إتجار لـ هيومن رايتس ووتش ومنظمات مجتمع مدني أخرى كيف قام المتجرون بتقييدهم بالسلاسل – إلى بعضهم البعض في أحيان كثيرة – لشهور، مع الإساءة إليهم، بما في ذلك باغتصاب النساء أمام ضحايا الإتجار الآخرين.

© 2013 Moises Saman/Magnum

في بعض الحالات يتم تيسير هذه الجرائم بتواطؤ بين المتجرين والشرطة السودانية والشرطة المصرية والقوات العسكرية، الذين يسلمون الضحايا للمتجرين في مراكز الشرطة، ويتجاهلون مرورهم على الحواجز الأمنية، ويعيدون ضحايا الإتجار بالبشر إلى المتجرين.

الجرائم الموصوفة في هذا التقرير تشكل جرائم إتجار بالبشر بموجب القانون الدولي، إذ يقوم مجرمون بنقل وتسليم وإيواء إريتريين باستخدام العنف أو بالتهديد بالعنف بغرض الاسترقاق.

إن ملاحقات السودان القضائية النادرة للغاية للمتجرين بالإريتريين وضحايا الإتجار الآخرين، وعدم لجوء مصر إلى التحقيق والملاحقة القضائية للمتجرين، كما هو موصوف في هذا التقرير، تعني أن الدولتين تخرقان التزامات مترتبة عليهما بموجب القوانين الوطنية والدولية لمكافحة الإتجار بالبشر، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الجنائي الوطني. وهذا يتطلب من السلطات منع الإتجار والملاحقة القضائية عليه، وضمان الحق في الحياة والسلامة البدنية لجميع الأفراد على أراضيها.

كما أن على السلطات التزام بالتحقيق مع أي مسؤول مشتبه بالتواطؤ مع المتجرين الذين يصيبون الضحايا بالألم والمعاناة الجسيمة، والإخفاق في هذا يعني خرق اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب. وعلى حد علم هيومن رايتس ووتش، فلم تلاحق السلطات المصرية أمام القضاء رجل أمن واحد على شبهة التواطؤ، في حين قاضى السودان أربعة مسؤولين أمنيين فقط في عامي 2012 و2013.

طبقاً للجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، التي تراجع التزام الدول بالاتفاقية، فإنه حيث يكون لدى مسؤولي الدولة "أسباب معقولة للاعتقاد... بأن أعمال تعذيب أو معاملة سيئة تُرتكب من قِبل... فاعلين من الأفراد" ثم "تخفق في ممارسة الانتباه اللازم لمنع والتحقيق والمقاضاة والمعاقبة لهؤلاء الفاعلين" بحيث يصبح الوضع فعلياً أن الدولة "تيسر وتمكن [المتجرين] من ارتكاب أعمال غير مسموح بها بموجب الاتفاقية [اتفاقية مناهضة التعذيب] مع إفلات الجناة من العقاب"، ففي هذه الحالة تتحمل الدولة "المسؤولية ويُعتبر مسؤوليها فاعلين أو متواطئين أو مسؤولين بأي شكل آخر بموجب الاتفاقية [مناهضة التعذيب] عن الموافقة على أو السماح بهذه الأعمال غير المقبولة".

إن حجم الأدلة المتوفرة على الملأ والمتاحة حول الانتهاكات المتفشية التي تشهدها سيناء – كما يرد في هذا التقرير – وكذلك المعلومات التفصيلية حول مواقع المتجرين المعطاة للسلطات المصرية، تعني أن المسؤولين المصريين يتحملون بدورهم المسؤولية في مناسبات لا حصر لها عن خرق التزامات مصر بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب. الملاحقات القضائية المحدودة في السودان مع المتجرين والمسؤولين الذين  يتواطؤون معهم تعني أن بعض المسؤولين السودانيين – بالمثل – يتحملون مسؤولية انتهاكات لالتزامات السودان بموجب الاتفاقية.

طبقاً لتقارير الأمم المتحدة فإن محنة الإريتريين تبدأ عادة في أقدم مخيمات للاجئين في أفريقيا أو بالقرب منها، شرقي السودان، بالقرب من الحدود مع إريتريا، والتي تأوي نحو 75 ألف شخص أغلبهم إريتريون مسلمون يعيشون في المخيمات منذ عقود.

بين 2004 وأواسط عام 2012 قام نحو 2000 إريتري مسيحي يتحدثون لغة تيجرينيا، كل شهر، بالتسجيل في المخيمات، بعد الفرار من انتهاكات عديدة للحقوق تمارس ضد مجتمعات مسيحية في بلدهم، مع انحسار الأعداد في المتوسط بنحو 500 شهرياً منذ ذلك الحين. لكن في مواجهة الحياة في مخيمات معزولة فقيرة الخدمات، دون قدرة على العمل ودون حق في مغادرة شرق السودان، محاصرين بمجتمعات مسلمة لا يتحدثون لغتها، فهم ينتقلون بحثاً عن الحماية والعمل والتعليم والفرص الأخرى لبدء الحياة كريمة من جديد في مكان آمن. سافر بعضهم إلى القاهرة، وإلى الخرطوم، ومن هناك انتقلت أعداد غير معلومة إلى ليبيا وإلى الاتحاد الأوروبي أو جيبوتي واليمن والسعودية. ودفع آخرون النقود للمهربين لنقلهم إلى إسرائيل مروراً بسيناء.

في عام 2010 ظهرت أولى التقارير عن المهربين الذين ينقلبون على عملائهم أثناء الرحلة، فيقومون باختطافهم وأذيتهم لابتزاز النقود من أقاربهم مقابل المضي بهم قدماً على طريق السفر. بحلول عام 2011 بدأ متجرون سودانيون في اختطاف إريتريين من داخل مخيمات لاجئين تديرها الأمم المتحدة وبالقرب منها، قرب بلدة كسلا شرقي السودان، ثم قاموا بنقلهم إلى متجرين مصريين ضد إرادتهم.

في عام 2012 قال إريتريون لـ هيومن رايتس ووتش كيف تعرضوا لإساءات في سيناء وتحدثوا عن تواطؤ لقوات الأمن السودانية والمصرية مع المتجرين. قالوا إن في كاسالا قام رجال الشرطة والجنود السودانيون بتسليم الإريتريين إلى المتجرين، بما في ذلك لدى مراكز للشرطة. قالوا إن في مصر تواطأ جنود ورجال شرطة مع المتجرين في كل خطوة على الطريق: لدى الحواجز الأمنية على جسر السيارات الوحيد العابر للقناة، وفي بيوت المتجرين، ولدى حواجز أمنية في بلدات داخل سيناء، وعلى مقربة من الحدود مع إسرائيل.

 

ضحية إتجار إريترية تتعافى من إصاباتها في القاهرة، في مايو/أيار 2013 بعد أن خضعت لجراحة زرع جلد لمعالجة عدوى حادة في الكاحل، تسببت فيها السلاسل التي استخدمها المتجرون لتقييدها في سيناء. قابلت هيومن رايتس ووتش 20 ضحية للإتجار وتحدثوا بشأن نحو 29 واقعة تدل على تواطؤ من عناصر أمن في السودان ومصر مع المتجرين، الذين قاموا بتعذيب ضحاياهم.

© 2013 Moises Saman/Magnum

في ديسمبر/كانون الأول 2013 تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى ناشطة إريترية تكلمت منذ عام 2010 هاتفياً مع مئات الإريتريين المحتجزين في سيناء، وكذا مع أقاربهم في الخارج الذين تعرضوا للابتزاز. قالت لـ هيومن رايتس ووتش إن بعد توقف التقارير الإخبارية عن الإريتريين الذين يتم أخذهم إلى سيناء في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول 2013 – تزامن ذلك مع تزايد النشاط العسكري المصري في سيناء ضد جماعات مسلحة إسلامية مشتبهة – بدأت الاتصالات مرة أخرى تصلها في نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2013 من ضحايا تم اختطافهم ثم أخذهم إلى سيناء في نوفمبر/تشرين الثاني.

رغم أدلة قوية على وقوع هذه الانتهاكات منذ عام 2010 – تم توثيقها في عشرات التقارير الصادرة عن منظمات المجتمع المدني وتلقت تغطيات إخبارية كبيرة – فإن الحكومة المصرية على حد علم هيومن رايتس ووتش لم تتخذ خطوات لإنهاء هذه الانتهاكات. موقف كبار المسؤولين في سيناء والقاهرة هو إما رفض وقوع الانتهاكات، أو القول بأن النائب العام المصري لا يمكنه التحقيق في مثل هذه الجرائم وليست لديه أسماء وأماكن المتجرين. في عامي 2012 و2013 فتحت السلطات السودانية 14 قضية ضد متجرين في شرق السودان. لم تلاحق السلطات المصرية أي مسؤولين على شبهات تواطؤ مع المتجرين في الإريتريين، في حين قاضى السودان 4 مسؤولين فحسب على ذلك إبان عامي 2012 و2013.

وما زاد الطين بلة، حسب وصف إريتريين، كيف أن دوريات حراسة الحدود المصرية قامت عامي 2011 و2012 بالاستمرار في سياسة إطلاق النار على ضحايا الإتجار الهاربين أو المفرج عنهم أثناء اقترابهم من سياج حديدي يمتد 240 كيلومتراً بارتفاع خمسة أمتار، كادت إسرائيل تنتهي من تشييده بالكامل في مطلع عام 2013 على حدودها مع مصر. قتلت شرطة الحدود المصرية ما لا يقل عن 85 شخصاً من أفريقيا جنوب الصحراء قرب السياج، في الفترة من يوليو/تموز 2007 إلى سبتمبر/أيلول 2010.

عندما تعترض شرطة الحدود المصرية الإريتريين، يتم نقل بعضهم إلى النيابات العسكرية أو المدنية في العريش بشمال سيناء، التي تأمر باحتجازهم في مراكز شرطة بالعريش أو أماكن أخرى في شمال سيناء، مع نقل آخرين مباشرة إلى مراكز للشرطة. يتم احتجازهم هناك لشهور ولا يُسمح لهم بالطعن على احتجازهم. وفي خرق لاتفاق مصر القائم منذ 60 عاماً مع مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، لا يُسمح للمفوضية بزيارة المحتجزين، ما يجعل من المستحيل على المحتجزين تقديم طلبات لجوء.

كما تحرم السلطات المصرية ضحايا الإتجار من حقوقهم بموجب القانون المصري بشأن مكافحة الإتجار بالبشر، في الحصول على المساعدة والحماية والحصانة من الملاحقة القضائية. إنما يتم اتهامهم بمخالفات متعلقة بالهجرة غير الشرعية، وحرمانهم من العلاج الطبي، ما يعني أن بعض ضحايا التعذيب يموتون، مع احتجاز الناجين لشهور في ظروف لاإنسانية ومهينة بمراكز شرطة في سيناء.

ضحية إتجار إريتري نائم في منزل آمن في القاهرة، بمصر، يوم 2 مايو/أيار 2013. يتمكن بعض ضحايا الإتجار الذين يفرون من آسريهم أو يفرجون عنهم في سيناء، من بلوغ قيادات مجتمعية بدوية، تساعد في سفرهم إلى القاهرة حيث تساعدهم عدة منظمات مجتمع مدني.

© 2013 Moises Saman/Magnum

بناء على مقابلات هيومن رايتس ووتش وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، فإن السلطات لا تفرج عنهم إلا بعد شراء المحتجزين تذكرة طيران إلى أثيوبيا، بموجب ترتيب قائم بين مصر وأثيوبيا، يسمح للإريتريين بالسفر جواً من القاهرة إلى أديس أبابا العاصمة الأثيوبية. وكأنما تقوم السلطات المصرية باحتجاز ضحايا الإتجار رهائن للمرة الثانية، فتعرضهم للاحتجاز دون أجل مسمى بشكل تعسفي في أوضاع صعبة، ترقى في بعض الأحيان إلى المعاملة اللاإنسانية والمهينة، إلى أن يتمكن أقاربهم من جمع النقود اللازمة لشراء تذكرة الطيران، للإفراج عنهم وإخراجهم من البلاد.

العديد ممن يُعادون إلى أثيوبيا يعودون إلى حيث بدأت رحلتهم، فينتهي بهم المطاف إلى نفس مخيمات اللاجئين المغلقة قرب إريتريا، التي شقوا منها طريقهم إلى السودان ثم إلى سيناء. كما هو حال اللاجئين الإريتريين في السودان، فإن أغلب اللاجئين الإريتريين المقيمين في مخيمات في عفار وتيجراي في أثيوبيا لا يُسمح لهم بالخروج من المخيمات للبحث عن عمل ويعيشون في أوضاع صعبة مع ندرة فرص تبني حياة مثمرة.

ومع عدم توفر فرص العمل في الخرطوم والمدن السودانية الأخرى، وفي مواجهة عنصرية متفشية وفقر في القاهرة ومدن مصر الأخرى، تتضاءل فرص اللاجئين الإريتريين في بناء حياة كريمة يعتمدون فيها على أنفسهم. يظهر من تقارير في عام 2013 أنه منذ أغلقت إسرائيل بشكل فعال حدودها مع سيناء، فقد انفتحت مسارات تهريب وإتجار جديدة من أثيوبيا والسودان، إلى اتجاه الغرب، مع تزايد أعداد الإريتريين الذين يخرجون في رحلات خطيرة عبر الصحراء الكبرى إلى ليبيا، ومن هناك يأملون في بلوغ دول أوروبية، عادة في قوارب غير مؤهلة لعبور المتوسط.

في أكتوبر/تشرين الأول 2013 أفادت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن بعض الناجين من مأساة غرق القارب التي غرق فيها 357 إريترياً قرب ساحل جزيرة لامبيدوسا الإيطالية في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2013 سبق لهم التسجيل كلاجئين في مخيمات شرق السودان وأثيوبيا.

من أجل إنهاء الانتهاكات المروعة المُرتكبة ضد الإريتريين في شرق السودان ومصر، يجب على الحكومتين البدء في جهد مكثف لإنفاذ القانون، من أجل التعرف على المتجرين وملاحقتهم قضائياً، وكذا على المسؤولين السودانيين والمصريين المشتبه في تواطؤهم مع المتجرين. يجب على السلطات السودانية أن تحقق تحديداً مع كبار رجال الشرطة المسؤولين عن التواطؤ مع المتجرين في بلدة كاسالا وفي المنطقة المحيطة بها، بما في ذلك في استخدام مراكز الشرطة في تسليم الإريتريين إلى المتجرين.

ومع تدعيم الحكومة المصرية لوجودها العسكري وتعزيزها لقدرات إنفاذ القانون في شمال سيناء كجزء من حملة مكافحة المتطرفين هناك، فعليها أيضاً أن تضيف عمليات إنفاذ قانون من أجل إنقاذ ضحايا الإتجار المحتجزين من الأسر، والقبض على المتجرين وملاحقتهم قضائياً.

على النائب العام المصري أن يفتح تحقيقاً للتعرف على مواقع المتجرين المشتبهة في العريش وحولها في شمال شرق سيناء، إذ توجد تقارير أن الأغلبية العظمى من المتجرين يتواجدون هناك، وكذا لدى نقاط دخول سيناء ولدى الحدود الجنوبية مع السودان. يجب على النيابة أيضاً التحقيق في كيف تمكن المتجرون من المرور بحواجز الشرطة والجيش الأمنية وكيف ولماذا سمحت قوات الشرطة والجيش لهم بذلك.

وبما يتفق مع قانون مكافحة الإتجار المصري، فعلى السلطات المصرية أيضاً أن تسمح فوراً لجميع ضحايا الإتجار الذين لم يعودوا محتجزين طرف المتجرين في سيناء، بالسفر إلى القاهرة، وتلقي الرعاية الطبية، والتسجيل في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إذا كانوا يسعون للحصول على الحماية الدولية.

وعلى المانحين الدوليين لمصر، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء بالإضافة إلى النرويج، الدعوة لأن يقوم الجيش والشرطة بضمّ وقف وإغلاق شبكات الإتجار بالبشر إلى أولويات إنفاذ القانون في شمال سيناء.

التوصيات

إلى الحكومة المصرية

  • يجب ضمان أن أية عمليات عسكرية وعمليات لإنفاذ القانون في سيناء تشمل عمليات لإنقاذ ضحايا الإتجار بالبشر والقبض على المتجرين وملاحقتهم قضائياً، الذين يتحملون المسؤولية بموجب قانون مكافحة الإتجار بالبشر المصري لعام 2010.
  • يجب التحقيق في شبهات تواطؤ عناصر من الجيش والشرطة مع المتجرين وملاحقة الأفراد الذين تتبين مسؤوليتهم، بما في ذلك القادة من الضباط، وتفعيل قانون جديد يجرّم مشاركة المسؤولين أو تواطؤهم في التعذيب، كما هو مُعرّف في اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب.
  • يجب حماية ومساعدة ضحايا الإتجار بموجب القانون المصري لمكافحة الإتجار بالبشر، بما في ذلك من خلال إنشاء برامج لحماية الشهود وتحصينهم من الملاحقة القضائية، من أجل تشجيعهم على المعاونة في التحقيقات ضد المتجرين الذين وقعوا ضحايا لهم.
  • يجب الامتناع عن مقاضاة ضحايا الإتجار بناء على تهم بالهجرة غير الشرعية، وعدم احتجازهم في مراكز الشرطة، وضمان قدرتهم على الوصول لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والهيئات الأخرى في القاهرة، بما يسمح لهم بتلقي الحماية والمساعدة، بما في ذلك الرعاية الطبية وأوجه الرعاية الأخرى.
  • يجب الكفّ عن احتجاز الإريتريين في ظروف لاإنسانية ومهينة في سيناء لإجبارهم على الموافقة على السفر إلى أثيوبيا.
  • يجب أمر حرس الحدود بالكف عن إطلاق النار على الإريتريين العزل وغيرهم من طالبي اللجوء والمهاجرين العزل بالقرب من الحدود مع إسرائيل.
  • يجب منح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قدرة على الوصول لجميع الأماكن التي تم احتجاز المهاجرين فيها على ذمة الترحيل، لضمان تمكن طالبي اللجوء منهم من تقديم طلبات لجوء.
  • يجب مطالبة اللجنة الوطنية لمكافحة الإتجار بالبشر بتوفير تحديثات تفصيلية كل ثلاثة شهور عن الخطوات التي يتخذها الادعاء في مصر للتحقيق في جرائم الإتجار في سيناء وفي شبهات تواطؤ قوات الأمن مع المتجرين.

إلى الحكومة السودانية

  • يجب التحقيق في شبهات تواطؤ قوات الأمن مع المتجرين، لا سيما قادة الشرطة في كاسالا، وملاحقة الأفراد الذين تتبين مسؤوليتهم، وتفعيل قانون جديد يجرم مشاركة المسؤولين أو تواطؤهم في التعذيب، كما هو مُعرّف في اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب.
  • يجب التحقيق مع الأشخاص المشتبه بإتجارهم بالبشر في شرق السودان وملاحقتهم قضائياً.
  • يجب على وجه السرعة تحسين تدابير الحماية في مخيمات اللاجئين قرب كاسالا وفي المناطق الحدودية للمساعدة في منع اختطاف الإريتريين والإتجار بهم.
  • يجب احترام حق جميع الإريتريين واللاجئين الأخرين في السودان في العمل وفي التنقل بحرية في السودان.
  • يجب تشجيع المجلس الوطني على أن يمرر سريعاً تشريع الإتجار بالبشر بحيث يصدر متسقاً مع التزامات السودان بحقوق الإنسان، وإصدار تقارير علنية منتظمة توثق التقدم المحرز في ملاحقة المتجرين ومسؤولين الأمن المتواطئين معهم قضائياً.

إلى الحكومة الأثيوبية

  • يجب منح الإريتريين واللاجئين الآخرين الحق في التنقل بحرية في أثيوبيا وفي البحث عن عمل، دون مطالبتهم أولاً بإظهار الأدلة على قدرتهم على إعالة أنفسهم.

إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين

  • يجب إعداد التقارير العلنية بانتظام عن أعداد الحالات المعروفة لإريتريين وآخرين جرى اختطافهم على يد متجرين في شرق السودان، بما في ذلك معلومات تفصيلية عن مواقع الاختطاف.
  • يجب تشجيع السودان على التحقيق والملاحقة القضائية مع المشتبهين بالإتجار بالبشر في شرق السودان، وكذا مع عناصر الشرطة والجيش السودانيين المتواطئين مع المتجرين، وتشجيع المانحين على دعوة السودان لعمل المثل.
  • يجب دعوة مصر علناً إلى السماح لمفوضية شؤون اللاجئين بالدخول إلى جميع الأماكن المحتجز فيها مهاجرين على ذمة الترحيل، لضمان قدرة طالبي اللجوء منهم على تقديم طلبات لجوء، بما في ذلك في سيناء.

إلى جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي

  • يجب دعوة مصر والسودان إلى التحقيق والملاحقة القضائية مع المسؤولين الأمنيين المتواطئين مع المتجرين بالبشر والتحقيق مع المتجرين وملاحقتهم قضائياً.
  • يجب دعوة مصر إلى منح ضحايا الإتجار المساعدة والحماية المستحقة لهم بموجب قانون مكافحة الإتجار بالبشر المصري، بما في ذلك منح الحصانة من الملاحقة القضائية على مخالفات الهجرة غير الشرعية، والسماح لهم بالتسجيل كطالبي لجوء في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.

إلى الحكومات المانحة التي توفر الدعم للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومصر وأثيوبيا والسودان

  • يجب دعوة السلطات المصرية والسودانية للتحقيق والملاحقة القضائية مع المتجرين المسؤولين عن الانتهاكات الموثقة في التقرير ولمحاسبة مسؤولي الأمن الذين يسهلون هذه الانتهاكات.
  • يجب دعوة السلطات المصرية إلى منح ضحايا الإتجار بالبشر المساعدة والحماية المستحقة لهم بموجب قانون مكافحة الإتجار بالبشر المصري، بما في ذلك الحصانة من الملاحقة القضائية على مخالفات الهجرة غير الشرعية، والسماح لهم بالتسجيل كطالبي لجوء في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
  • للمساعدة في منع الإريتريين من الاضطرار للخروج من دولة اللجوء الأولى، يجب دعوة أثيوبيا والسودان إلى منح جميع اللاجئين الحق في حرية التنقل والحق في العمل.

منهج التقرير

يستند هذا التقرير إلى بحوث أجريت في القاهرة وسيناء بمصر، في الفترة من 3 إلى 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، وفي تل أبيب بإسرائيل في الفترة من 15 إلى 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2012. أجرى باحث من هيومن رايتس ووتش مقابلات شخصية تفصيلية مع 32 إريترياً وأثيوبيين اثنين وسودانيين اثنين. من بينهم 16 شخصاً مسجلين كلاجئين وطالبي لجوء في القاهرة، و20 شخصاً كانوا متواجدين في إسرائيل بشكل قانوني بموجب سياسة عدم الترحيل التي تتبعها بالنسبة للإريتريين والسودانيين غير المسجلين كطالبي لجوء في تل أبيب. وهم 26 رجلاً و5 سيدات.

تعاونت هيومن رايتس ووتش مع منظمات مجتمع مدني في القاهرة وفي تل أبيب للتعرف على من أجريت معهم المقابلات، والذين شهدوا بتواطؤ رجال أمن مصريين وسودانيين مع مجرمين في السودان ومصر قاموا بالإتجار بهم وأساءوا إليهم بين 2009 و2012. أجريت المقابلات على انفراد ودامت كل منها نحو 40 دقيقة.

أوضح باحث هيومن رايتس ووتش الغرض من المقابلات وأعطى تطمينات بحجب هوية من أجريت معهم المقابلات، وأوضح لهم أنهم لن يحصلوا على حوافز مالية أو حوافز أخرى للحديث مع هيومن رايتس ووتش. كما حصلنا على موافقة من أجريت معهم المقابلات على وصف ما تعرضوا له بعد إخبارهم أن بإمكانهم إنهاء المقابلة بقرار منهم في أي وقت. تم حجب أسماء الأفراد وتفاصيل شخصية أخرى عنهم لحماية هوياتهم وأمنهم.

أجريت جميع المقابلات بلغة التيجرينيا واللغة العربية، بالاستعانة بمترجمين فوريين. وكلما أشار من أجريت معهم المقابلات إلى عناصر شرطة أو جنود تواطؤوا مع المتجرين، سألهم من يوجهون إليهم الأسئلة أن يصفوا الزي الرسمي للأفراد، للمساعدة في التمييز بين عناصر الشرطة والجيش.

كما تلقت هيومن رايتس ووتش تفريغاً كتابياً بـ 22 مقابلة تفصيلية مع إريتريين أجرتها منظمة مجتمع مدني في مصر، على صلة بانتهاكات المتجرين وتواطؤ قوات الأمن السودانية مع المتجرين.

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع اثنين من المتجرين اعترفا بأنشطتهما، وتحدث أحدهما عن الإساءة إلى ضحاياه. تعرفت هيومن رايتس ووتش عليهما من خلال مصدر محلي في سيناء يعرفهما جيداً. قال المتجران لـ هيومن رايتس ووتش إنهما مستعدان للكلام عن أنشطتهما الإجرامية لأنهما لا يخشيان أي تبعات من قوات إنفاذ القانون المصرية.

كما قابلت هيومن رايتس ووتش ثلاثة مسؤولين مصريين، و13 شخصاً من العاملين بمنظمات مجتمع مدني ومنظمات إنسانية دولية وأربعة عاملين بسفارات أجنبية في القاهرة. المسؤولون المصريون الثلاثة هم نائلة جبر، رئيسة اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الإتجار بالبشر؛ وسكرتير عام محافظة شمال سيناء اللواء جابر العربي؛ ومسؤول قضائي في سيناء فضل عدم ذكر اسمه.

لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من السفر إلى السودان أو إجراء مقابلات هناك. تكرر رفض الحكومة السودانية منح تأشيرات لمنظمات حقوق الإنسان الدولية، وقامت فعلياً بإغلاق السودان في وجه مراقبة حقوق الإنسان. أقرت السلطات السودانية علناً بانتشار ظاهرة تهريب الإريتريين إلى شرق السودان ومنها.

I . الخلفية

الإريتريون الهاربون

بحلول عام 2013 كان 300 ألف لاجئ وطالب لجوء إريتري يعيشون في السودان وأثيوبيا وإسرائيل وأوروبا، ونحو 90 في المائة من طالبي اللجوء الإريتريين نجحوا في طلب اللجوء في العام الأخير. [1] غادر الأغلبية العظمى بلدهم بعد أواسط عام 2004، فراراً من انتهاكات حقوق الإنسان المتفشية، التي اشتملت على التجنيد الإجباري الجماعي طويل الأجل أو دون أجل مسمى، والعمل الجبري، والقتل خارج نطاق القضاء، والاختفاءات، والتعذيب، والمعاملة اللاإنسانية والمهينة، والاعتقال والاحتجاز التعسفيين، والقيود على حرية الرأي والتعبير والتنقل. جميع من وفدوا منذ منتصف عام 2004 تقريباً من المسيحيين، ما يعكس تزايد الانتهاكات ضد هذه الفئة منذ عام 2002. [2]

يتحمل من يفرون من إريتريا مخاطر جمة. فالقانون الإريتري يطالب الإريتريين الذين يغادرون البلاد بأن تكون معهم تصاريح خروج تصدرها السلطات بشكل انتقائي، ويعاقب بشدة من يتم الإمساك بهم أثناء محاولة الخروج دون تصريح. [3] عندما ينجح الإريتريون في مغادرة البلاد دون تصاريح، كثيراً ما تعاقب السلطات أقاربهم. [4] قام حرس الحدود بإطلاق النار بهدف القتل على أشخاص يغادرون بدون تصاريح. [5] في هذه الأجواء انتعشت أعمال التهريب والإتجار بالإريتريين في السودان. وثقت الأمم المتحدة تواطؤ بعض المسؤولين الإريتريين مع متجرين سودانيين يسيئون للإريتريين في شرق السودان. [6]

اللاجئون الإريتريون في القرن الأفريقي وفي مصر

على مدار السنوات العشر الأخيرة، سجل نحو 150 ألف إريتري كلاجئين في أثيوبيا والسودان. لكن أغلبهم لم يستمروا في الإقامة هناك طويلاً. بعد البحث بلا طائل عن الحماية والمساعدة والعمل، مضوا في طريقهم بحثاً عن الأمن وفرص أفضل. بين 2006 و2012 وفد نحو 40 ألفاً على إسرائيل، وقد وصلوها مروراً بشبه جزيرة سيناء في مصر، وسافر عدد غير معلوم إلى المملكة العربية السعودية من خلال جيبوتي واليمن وحاول آخرون بلوغ دول أوروبية عبر ليبيا.

في أكتوبر/تشرين الأول 2013 أفادت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بأن بعض الناجين من مأساة غرق قارب مات فيه 357 إريترياً على سواحل جزيرة لامبيدوسا الإيطالية في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2013، سبق أن سجلوا كلاجئين في شرق السودان وفي أثيوبيا. [7]

مخيمات اللاجئين في شرق السودان

منذ الستينيات فر مئات الآلاف من الإريتريين من بلدهم إلى أقدم مخيمات للاجئين في أفريقيا، في شرق السودان. [8] حتى 30 أكتوبر/تشرين الأول 2013 كانت المخيمات تأوي 86087 إريترياً. [9] من بين هؤلاء فإن نحو 50 ألفاً من المسلمين الذين يتحدثون العربية – من نفس تجمع من يعيشون قرب المخيمات – وفدوا على المخيمات بين عامي 1960 و2000 ومن غير المرجح أن يعودوا إلى إريتريا. [10] تعمل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة مع السلطات السودانية على دمج هؤلاء السكان بشكل نهائي ودائم في تجمعات شرق السودان السكانية. [11]

بعد فترة توقف دامت أربع سنوات في هذه الهجرة الجماعية الإريترية، بدأ الإريتريون مرة أخرى في الفرار من بلدهم بأعداد كبيرة منذ منتصف عام 2004، إذ أصبح في المخيمات 129957 شخصاً بين 1 يناير/كانون الثاني 2005 و31 أكتوبر/تشرين الأول 2013. [12] جميعهم تقريباً مضوا في طريقهم وغادروا خلال أسابيع أو شهور. [13]

هذا الإحجام عن البقاء في المخيمات قد تفسره جملة من العوامل. الأغلبية العظمى ممن سجلوا كان شباباً مسيحيين من مناطق حضرية، لا قابلية لديهم على أن يصبحوا معتمدين على منظمات إنسانية في مناطق ريفية معزولة تحيط بها تجمعات سكانية مسلمة تتحدث العربية. [14] لديهم حقوق وفرص عمل محدودة. [15] كما يواجهون قيوداً مشددة على حرية التنقل. [16] هذه القيود غير قانونية. [17] وقد خلفتهم هذه السياسة دون خيارات تُذكر سوى الاعتماد على المهربين في إخراجهم من شرق السودان، وهو الأمر الذي يعرضهم لمخاطر الاختطاف والإتجار.

كما أن لدى السودان سجل من ترحيل طالبي اللجوء الإريتريين، والإريتريين الذين لا يحصلون على طلبات لجوء، إلى إريتريا. بين يناير/كانون الثاني ومايو/أيار 2013 رحل السودان ما لا يقل عن 8 إريتريين إلى إريتريا. في عام 2012 رحل السودان 68 إريترياً على الأقل إلى إريتريا، منهم طالبي لجوء مسجلين تم ترحيلهم بعد طعنهم مباشرة على رفض منحهم اللجوء. [18] في أكتوبر/تشرين الأول 2011 رحل السودان 300 طالب لجوء إريتري وآخرين غير قادرين على طلب اللجوء، ورحل عشرات غيرهم في الشهور الخمسة السابقة على ذلك التاريخ. [19]

تراجع بمعدلات كبيرة عدد الأشخاص المسجلين في المخيمات في مايو/أيار 2012 بعد أن كان المعدل الشهري منذ يناير/كانون الثاني 2009 حوالي 2000 شخص، ليصبح بضع مئات كل شهر، وهو التوجه الذي استمر على مدار ما تبقى من عام 2012 وخلال أول عشرة شهور في عام 2013. [20] وإلى الآن لم تتمكن أي من المنظمات الناشطة في شرق السودان – ومنها مفوضية شؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة – من تفسير التناقص من بعد مايو/أيار 2012. [21] هناك تفسيران محتملان أولهما أن عدد أقل من الإريتريين بلغ المخيمات بسبب الخوف من التعرض للاختطاف على يد المتجرين، ومن ثم تفادي دخول شرق السودان من الأساس، أو بسبب تزايد أعداد المختطفين ما إن يعبروا الحدود، قبل أن يتمكنوا من الوصول إلى المخيمات. [22] هناك إريتريون آخرون – ليس عددهم معلوماً – مروا من شرق السودان منذ عام 2004، لكن لم يسجلوا في المخيمات، إذ انتقلوا إلى الخرطوم أو إلى دول أخرى. [23]

مخيمات اللاجئين في أثيوبيا

كذلك فر عشرات الآلاف من الإريتريين إلى مخيمات للاجئين في أثيوبيا، حيث يواجهون "حياة قاسية... في بيئة قاحلة لا توفر لهم فرصاً كافية للاعتماد على النفس". [24] بشكل عام لا يُسمح للاجئين بمغادرة المخيمات للتنقل بحرية في أثيوبيا، في خرق لحقوقهم في حرية التنقل. [25] في عام 2008 استعانت أثيوبيا بسياسة "خارج المخيم" وبموجبها يمكن للاجئين الإريتريين مغادرة المخيمات لكن بعد ستة أشهر، وذلك للعيش في المناطق الحضرية، إذا تمكنوا من إظهار قدرتهم على دعم أنفسهم مادياً أو كان لهم أقارب يعيشون في مناطق حضرية يمكنهم إعالتهم. [26] كما يمكن للاجئين التقدم بطلب مغادرة مؤقتة للمخيم، وفي الأغلب يكون السبب طبياً. [27]

يُسمح للاجئين في أثيوبيا بالعمل والحصول على التعليم فقط بالقدر الذي تسمح به القوانين الأثيوبية للرعايا الأجانب في أثيوبيا. [28] يصادف الإريتريون صعوبات جمة في العثور على عمل غير رسمي في أديس أبابا وفي المدن الكبرى الأخرى، وهي أيضاً المشكلة العامة التي تدفع عشرات الآلاف من الأثيوبيين لمغادرة بلدهم كل عام بحثاً عن العمل. [29]

يغادر بعض اللاجئين الإريتريين مخيمات اللاجئين في أثيوبيا ويخاطرون بحياتهم أثناء عبور المتوسط إلى أوروبا، أو الانتقال إلى مخيمات اللاجئين في السودان وهم يعتقدون بالخطأ أنهم سيجدون مساعدة أفضل أو فرص عمل أفضل، ثم يجدوا أن العكس هو الصحيح. [30] كما نشير أدناه، فإن على مدار السنوات القليلة الماضية قامت مصر بترحيل آلاف الإريتريين الذين تم اعتراضهم في سيناء إلى أثيوبيا. بالنسبة لمن تبدأ رحلتهم في مخيمات لاجئين في أثيوبيا، يكونون بهذا قد اتموا دورة كاملة ليعودوا من حيث بدأوا.

الإريتريون في القاهرة

ينتهي المطاف ببعض الإريتريين في مصر، حيث لا توجد أية مخيمات للاجئين. يعيش العديد من اللاجئين وطالبي اللجوء الإريتريين المسجلين وغير المسجلين في أرض اللواء بالقاهرة الكبرى. [31] تقيد السلطات المصرية من حقوق اللاجئين في التعليم والأمن الاجتماعي والعمل. [32] لطالما كافح اللاجئون وطالبو اللجوء من كافة الجنسيات للعيش في الاقتصاد غير الرسمي بالقاهرة وللحصول فيها على الرعاية الصحية. [33] الإريتريون المسيحيون الذين لا يتحدثون العربية بشكل عام، لديهم فرص قليلة للعيش وكسب الدخل في مصر التي تتحدث العربية وأغلبيتها مسلمة وتعاني من ارتفاع معدلات الفقر والمنافسة الشرسة في الاقتصاد غير الرسمي. [34]

طبقاً لمنظمات مجتمع مدني تعاون اللاجئين في القاهرة، فإن الإريتريين القليلين الذين تقدموا بطلبات لجوء وعاشوا في القاهرة فعلوا ذلك لأن لهم بالفعل أقارب في المدينة يمكنهم إعالتهم ودعمهم. [35] قال عدد من الإريتريين الذين تحدثوا مع هيومن رايتس ووتش – ومنهم أشخاص سبق اختطافهم والإساءة إليهم في سيناء – إنهم يخشون المجرمين في القاهرة، الذين قد يختطفونهم ويعيدوهم إلى سيناء. وصف رجل تفصيلاً كيف خطفه البدو وعذبوه قرب القاهرة، من أجل معرفة أماكن ستة إريتريين آخرين يريد الخاطفون العثور عليهم. [36] كما قالت منظمات للاجئين بالقاهرة لـ هيومن رايتس ووتش إن العديد من موكليهم من اللاجئين الإريتريين في القاهرة قالوا إنهم يخشون الخاطفين، وأن العديد منهم يحاولون العيش داخل البيوت طوال الوقت. [37] قالت واحدة من المنظمات إنها على علم بحالتين حيث قام مجرمون باختطاف إريتريين في القاهرة. [38]

II . الإتجار بالإريتريين في السودان

بدءاً من عام 2006 دفع الآلاف من الإريتريين النقود لمهربين سودانيين ومصريين لمساعدتهم على الارتحال من شرق السودان إلى إسرائيل مروراً بمصر. في عام 2009 بدأ إريتريون في إبلاغ الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية تعاون اللاجئين عن كيف ينقلب عليهم المهربون أثناء الرحلة، وكيف يتم اختطافهم واتخاذهم رهائن بانتظار الفدية. بحلول عام 2011 كان التهريب قد تحول إلى أعمال خطف متفشية من قبل متجرين في أشخاص أغلبهم إريتريين، من مخيمات اللاجئين شرق السودان ومن المناطق الحدودية القريبة مع إريتريا. يسيئ المتجرون السودانيون إلى ضحاياهم ويعذبونهم لابتزاز النقود منهم ومن عائلاتهم، ثم ينقلونهم إلى مصر حيث يتم إحالتهم إلى متجرين مصريين.

التحوّل من التهريب إلى الإتجار في شرق السودان

في عام 2006 بدأ إريتريون في دفع نقود للمهربين لأخذهم من شرق السودان إلى إسرائيل. في أواسط عام 2010 بدأت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين ومنظمات غير حكومية إسرائيلية في تلقي بلاغات بأن مهربين في السودان – دأبوا على نقل إريتريين بالأساس إلى إسرائيل منذ عام 2006 – قد بدأوا في الانقلاب على عملائهم قبل وأثناء الرحلة إلى سيناء لابتزاز نقود إضافية منهم. [39] من ثم أصبح المهربون متجرين، طبقاً لتعريف المتجرين بالبشر في القانون الدولي. [40]

بانتهاء عام 2010 بدأت أعداد متزايدة من الإريتريين في الإبلاغ عن أنهم لم تكن لديهم نية للسفر إلى مصر أو إسرائيل لكن تم اختطافهم في شرق السودان ونقلوا إلى سيناء ضد إرادتهم. [41]

وقال رجل إريتري لـ هيومن رايتس ووتش إنه تعرض برفقة إريتريين آخرين للاختطاف في شرق السودان في مطلع عام 2009، في حين قال آخر إنه اختطف في يونيو/حزيران 2010. [42] كذلك قال عدد قليل من الإريتريين لعاملين معنيين باللاجئين في القاهرة إنهم تعرضوا للاختطاف في ربيع عام 2010. [43]

تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى 21 إريترياً في القاهرة وفي تل أبيب وصفوا كيف تعرضوا للاختطاف في شرق السودان في عام 2011، وتلقت 14 شهادة مكتوبة دونتها منظمات معنية باللاجئين في القاهرة قال فيها إريتريون المثل. [44]

هناك قيادي مجتمعي في سيناء يساعد الإريتريين الذين يفرج عنهم المتجرون في سيناء، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن النصف الثاني من عام 2012 شهد قول أغلبهم أنهم اختطفوا أصلاً في السودان ونقلوا إلى مصر ضد إرادتهم. [45]

في عام 2011 تلقت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تقارير متزايدة عن اختطافات في مخيمات اللاجئين في كاسالا شرقي السودان وحولها. في عام 2012 سجلت المفوضية نحو 30 حالة اختطاف كل شهر، رغم أنها تقدر أن العدد يُرجح أن يكون أكبر بكثير. [46]

قام مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين – أنطونيو غوتيريس – بإلقاء الضوء علناً على مسألة اختطاف الإريتريين والإتجار بهم في شرق السودان بغرض النقل إلى متجرين مصريين، وذلك للمرة الأولى في يناير/كانون الثاني 2012. [47]

في يناير/كانون الثاني أصدرت مفوضية شؤون اللاجئين بياناً صحفياً بعد أعمال عنف شهدتها إحدى المخيمات بسبب اختطاف المتجرين للإريتريين من داخل المخيم. ورد في البيان أن العاملين بالمفوضية قد وثقوا وقائع اختطاف منذ مطلع عام 2011 وأن بعض تلك الوقائع تتزايد. قالت المفوضية السامية: "هناك قبليون محليون... وكذلك عصابات إجرامية" يقومون "باختطاف... الإريتريين... على الحدود... مع دخولهم شرق السودان" ومن "داخل المخيمات وحولها" قبل نقلهم ضد رغبتهم إلى مصر. [48]

اختطاف وانتهاك وتعذيب ضحايا الإتجار في شرق السودان

تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى 21 إريترياً قالوا إن أشخاصاً وصفوهم بأنهم "رشايدة" قاموا باختطافهم برفقة عشرات غيرهم، وأغلبهم إريتريون، في شرق السودان قرب الحدود مع إريتريا وفي مخيمات اللاجئين قرب بلدة كاسالا. [49]

قالوا إن المتجرين احتجزوهم لأيام وأسابيع قرب كاسالا، وأساءوا إليهم لابتزاز النقود منهم، ثم سلموهم إلى خاطفين في مصر. قال سبعة إنهم اختطفوا في 2012 و12 شخصاً في 2011 وشخص واحد في 2010 وآخر في 2009.

قال 18 شخصاً ممن تمت مقابلتهم إن المتجرين طلبوا منهم تسديد مبلغ يتراوح بين ألف إلى عشرة آلاف دولار كفدية. وسواء دفعوا أم لا، فقد قال من أجريت معهم المقابلات إن المتجرين نقلوهم بعد ذلك إلى رجال في مصر طلبوا منهم بدورهم تسديد أموال.

كذلك تلقت هيومن رايتس ووتش نصوص 14 مقابلة تفصيلية تم تدوينها في منظمة مجتمع مدني في مصر، حيث قال إريتريون إن "الرشايدة" اختطفوهم في السودان قرب الحدود مع إريتريا أو في بلدة كاسالا، ثم نقلوهم للمتجرين في مصر. قال ستة إنهم اختطفوا في 2012 وخمسة في 2011 وثلاثة في 2010. [50]

قال 13 من 35 إريترياً اطلعت هيومن رايتس ووتش على شهاداتهم إن المتجرين السودانيين تكرر ضربهم لهم والاعتداء عليهم بطرق أخرى، وقال ثلاثة من الـ 15 إن المتجرين أساءوا إليهم بشدة وقال ثلاثة آخرين إن المتجرين هددوهم بالقتل إن لم يدفعوا. قالت ضحية منهم إن المتجرين في الخرطوم اغتصبوها هي وضحايا اختطاف أخريات. [51]

وثقت هيومن رايتس ووتش ثماني حالات حيث سلمت الشرطة والجيش السودانيين إريتريين إلى المتجرين مباشرة، قاموا بعد تسلمهم بالإساءة إليهم. [52]

قال رجل إريتري من موركي بمنطقة غاشباركا في إريتريا، ويبلغ من العمر 33 عاماً، قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه فر من إريتريا وعبر ليلاً إلى السودان قرب حفيرة في سبتمبر/أيلول 2011. هناك قابل مزارعاً تركه يمضي الليلة وقال إنه يعرف أشخاصاً يمكنهم مساعدته على الذهاب إلى مخيمات اللاجئين في كاسالا.

في اليوم التالي جاء خمسة رجال في ثياب مدنية ومعهم بنادق وأخذوني معهم. أوثقوا رباط يدي وضربوني. احتجزوني شهرين مع إتاحة القليل من الطعام والمياه. سألوني إن كان لي أقارب في إسرائيل أو الولايات المتحدة وقالوا لي أن أتصل بأقاربي وأطلب منهم تسديد 4000 دولار لإطلاق سراحي.

قيدوني بالأصفاد إلى السرير. قام أربعة رجال عدة مرات بضربي بعصي خشبية على يدي ورجلي، وعلى ردفي وعلى أخمص قدمي. قاموا أحياناً بضربي بكابل كهربائي وصفعوني كثيراً. بعد شهرين نقلوني إلى خاطفين آخرين أقلوني إلى مجموعة كبيرة إلى سيناء. [53]

وهناك صبي إريتري من منطقة زوبا دوباب، يبلغ من العمر 17 عاماً، قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه فر من إريتريا في 3 أبريل/نيسان 2012 وأن أشخاصاً سودانيين من قبيلة الحدارب أوقفوه وسلموه إلى "رشايدة". [54] قال:

احتجزوني أسبوعين في الصحراء مع 155 إريترياً آخرين. قالوا إنهم سيطلقون النار عليّ إن لم أسدد 2000 دولار. ضربوا آخرين معي لإجبارهم على دفع مبلغ مماثل. إلى جوار المكان الذي كنت محتجز به كان هناك سيدات محتجزات يصرخن، وحسبت أنهن يتعرضن للاغتصاب. [55]

وفي إحدى الشهادات التفصيلية التي اطلعت عليها هيومن رايتس ووتش، هناك صبي يبلغ من العمر 15 عاماً فر من خاطفيه في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2011 قال إن مجموعة ثانية من "الرشايدة" اختطفته وعذبته برفقة ضحايا مختطفين آخرين:

أوثقوا يدي وقدمي وعصبوا أعيننا. ثم قالوا إنهم سيقتلوننا بالسكاكين أو البنادق إن لم نسدد 10 آلاف دولار وسألونا إن كان لنا أقارب بالخارج يمكنهم الدفع. ضربونا كثيراً بعصي حديدية. سكبوا الوقود علينا وأجبرونا على شرب الماء المخلوط بالوقود. عندما كنا نتقيأ كانوا يجبرونا على شرب القيء. أحرقونا بالسجائر وأمرونا بالوقوف أغلب الوقت. [56]

الإحالة إلى المتجرين المصريين

أبلغ من العمر 30 عاماً وقد تزوجت مؤخراً. بدأت الإتجار بالأفارقة في عام 2009. أشتريهم وأبيعهم بغرض الربح فقط. لا أعذبهم لأن هذا حرام. آخر مجموعة اشتريتها وبعتها كانت منذ ثلاثة شهور.

أشتري الأفارقة من القبائل حول أسوان. يقولون لي إنهم يشترونهم من ناس في السودان. أرسل الحوالة لأسدد للناس في أسوان. عندما بدأت ذلك العمل في 2009 دفعت 100 دولار عن كل شخص، لكن هذا العام أدفع 600 عن الشخص. هذا العام بدأت أبيعهم لبدو هنا في سيناء مقابل 5000 دولار عن الشخص، عادة بعد احتجازهم أسبوعاً أو أسبوعين.

في 2010 و2011 كنت أشتري نحو خمسة مهاجرين يومياً، ستة أيام كل أسبوع، أي حوالي 1500 في العام. حتى سبتمبر/أيلول هذا العام [2012] كنت أشتري ضعف هذا العدد تقريباً. يقول الناس في السودان للقبائل حول أسوان إن أثناء الثورة المصرية [التي بدأت في يناير/كانون الثاني 2011] كان عبور الحدود السودانية المصرية أسهل، ودون أي حواجز أمنية.

لا تأتي الشرطة أو الجيش لوقف التجار والتعذيب لأنهم يخشون فقدان الكثير من الأفراد إذا بدأ التجار في إطلاق النار عليهم.

مقابلة هيومن رايتس ووتش مع متجر بدوي على مسافة ساعة ونصف من العريش، شمال سيناء، 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2012.  

قال جميع الإريتريين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش إنهم ما إن يستوفوا طلبات المتجرين السودانيين بالأموال ويدفعون، فإن المتجرين ينقلونهم إلى المتجرين المصريين. لم يتمكن من أجريت معهم المقابلات من ذكر أين تمت عمليات الإحالة. في بعض الحالات قالوا إنهم نقلوا أربع أو خمس مرات قبل بلوغهم سيناء. [57]

قال 18 من الإريتريين الذين تحدثت إليهم هيومن رايتس ووتش إنهم نُقلوا في سيارات لعدة أيام وسط الصحراء، وأحياناً على طرق وفي أحيان أخرى في مدقات صغيرة، وأنهم بشكل عام لم يروا شرطة أو جيش حتى وصلوا إما إلى النيل أو إلى قناة السويس في مصر. قال بعضهم إن المتجرين أجبروهم على الرقود تحت غطاء بلاستيكي في صندوق الشاحنة. وقال آخرون إنهم قد سُمح لهم بالجلوس في وضع معتدل دون إخفائهم.

قال إريتريان في القاهرة على دراية جيدة بالمسار من شرق السودان إلى أسوان جنوبي مصر، إن نقل الإريتريين في الشاحنات بين هاتين النقطتين سهل بشكل عام نظراً لأن بإمكان المتجرين القيادة في الصحراء لتفادي الحواجز الأمنية. [58]

تواطؤ قوات الأمن السودانية مع المتجرين في شرق السودان

وصف ضحايا الإتجار عدة حالات لـ هيومن رايتس ووتش، حيث قامت الشرطة والجيش السودانيان باحتجاز إريتريين تعسفاً وتسليمهم إلى المتجرين.

في 13 حالة موثقة أو اطلعت عليها هيومن رايتس ووتش، قال إريتريون إن الشرطة السودانية احتجزتهم في 2011 و2012 ثم سلمتهم إلى المتجرين. قال ثمانية منهم إن التسليم للمتجرين تم داخل أو أمام مركز الشرطة في بلدة كاسالا مباشرة. وقال آخر إنه رأى الشرطة تسمح للمتجرين الذين نقلوه في 2012 بالمرور عبر حواجزها الأمنية. [59]

قال إريتريان أيضاً إن الجنود السودانيين احتجزوهما وسلموهما إلى المتجرين. إحدى الواقعتين كانت في 2011 والأخرى في 2012. [60]

هناك إريتري يبلغ من العمر 28 عاماً ينحدر من مرتفعات واكيكانت وسط إريتريا فر من إريتريا في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 وقال لـ هيومن رايتس ووتش إن بعد ساعة من بلوغه كاسالا أوقفته الشرطة وأخذته إلى مركز للشرطة، وصادروا نقوده ووضعوه في زنزانة. ثم سلمته الشرطة إلى المتجرين:

سألوني إن كان لدي أقارب بالخارج وقلت لا. في الصباح التالي فتحت الشرطة الباب ورأيت اثنين من الرشايدة يقفان إلى جوار رجال الشرطة في مدخل الباب ينظران إليّ. أنا أعرف القليل من العربية فسمعت القليل مما قالوه. سأل أحدهما أحد رجال الشرطة: "هل لهؤلاء الرجال عائلات تدفع؟" وقال: "نعم". في اليوم التالي أخذتنا الشرطة إلى سيارة متوقفة خارج مركز الشرطة. كان الرجلان المذكوران في السيارة. قال رجال الشرطة لنا أن نستقل السيارة وأخذنا الرشايدة إلى صحراء تبعد نحو ساعة. [61]

وصف رجل إريتري يبلغ من العمر 26 عاماً وسبق أن فر إلى السودان في فبراير/شباط 2012 كيف سلمته الشرطة إلى المتجرين:

بعد العبور إلى السودان بقليل، أمسكني رجلا شرطة في زي رسمي أزرق قرب وادي شريفة وأخذاني إلى مركز للشرطة حيث استبقياني هناك، برفقة رجل إريتري آخر، من السادسة مساءً تقريباً إلى منتصف الليل. كان أحدهما يتحدث التيجرينية وأخبرني أن الشرطة ستأخذني إلى مخيم لاجئين قريب. ثم أقلنا رجلا شرطة بالسيارة نحو ساعة ونصف حتى وصلنا إلى شاحنة فيها أربعة رشايدة. ضربونا بعصا حديدية ووضعونا في صندوق الشاحنة وغطونا بغطاء بلاستيكي كبير. ثم سمعتهم يتحدثون للشرطة لنحو نصف ساعة ثم غادرنا ومضينا بالسيارة إلى بيت حيث احتجزونا تلك الليلة قبل أخذنا إلى مصر. [62]

وصف صبي يبلغ من العمر 16 عاماً من زيريجيكا، قرب اسمرا، كيف سلمته الشرطة السودانية إلى الخاطفين في مارس/آذار 2012:

غادرت إريتريا متجهاً للسودان في فبراير/شباط أو مارس/آذار 2012 مع رجلين. سرنا من الحدود الإريترية إلى مركز شرطة في كاسالا لأنني سمعت في إريتريا أن الرشايدة في السودان يختطفون الناس قرب كاسالا والمخيمات فالتمست الحماية من الشرطة. قالت الشرطة: "مرحباً مرحباً"، ثم أخذونا نحن الثلاثة في سيارة وقالوا إنهم سينقلونا إلى مخيم شقرب للاجئين. مضينا بالسيارة نحو 15 دقيقة إلى بيت وأعطونا خبزاً وجبناً وقالوا لنا أن نستريح. راح أحد رجال الشرطة يتحدث على الهاتف لمدة طويلة، وبعد نصف ساعة جاءت سيارة فيها ثلاثة رشايدة. أخذونا في سيارتهم وابتعدوا. ثم نقلونا إلى سيناء. [63]

في عام 2011 قال طالبو لجوء إريتريون في إسرائيل لمنظمة "الخط الساخن للعاملين بالهجرة" وهي منظمة مجتمع مدني إسرائيلية، ما حدث من تواطؤ بين الجيش السوداني والمتجرين. [64] كذلك روى إريتريون لباحثين في 2013 وقائع من هذا النوع. [65]

في يونيو/حزيران 2013 أفادت وزارة الخارجية الأمريكية بأن "الحكومة [السودانية] لا تحقق مع المسؤولين أو تلاحقهم قضائياً، ممن تظهر مزاعم بتواطؤهم في الإتجار بالأشخاص، رغم تقارير عن بيع الشرطة السودانية الإريتريين للرشايدة على الحدود مع إريتريا". [66]

 

III . الإتجار بالإريتريين في مصر

منذ عام 2010 عانى الإريتريون – وأثيوبيون بدرجة أقل بكثير – من انتهاكات مروعة على يد متجرين مصريين في سيناء، وهو الأمر الذي تناقلته العديد من تقارير منظمات المجتمع المدني وصادف تغطية في الإعلام الدولي، وكذلك في بعض وسائل الإعلام المصرية. في أواخر 2012 وصف إريتريون حوادث لـ هيومن رايتس ووتش حيث قامت الشرطة أو الجيش المصريين بالتواطؤ مع المتجرين، بما في ذلك لدى قناة السويس التي تتمتع بمراقبة شرطية كبيرة، التي يعبر منها المتجرون إلى سيناء. في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 تحدثت هيومن رايتس ووتش أيضاً إلى نائلة جبر، رئيسة اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الإتجار بالبشر، والتي أقرت بوقوع انتهاكات متعلقة بالإتجار بالبشر في سيناء.

تقول المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إنها قابلت ضحايا للإتجار تعرضوا لانتهاكات في سيناء عام 2013. في ديسمبر/كانون الأول 2013 ويناير/كانون الثاني 2014 وصل إلى هيومن رايتس ووتش تقارير جديدة عن عمليات اختطاف في شرق السودان وعن إتجار بالبشر في سيناء بين نوفمبر/تشرين الثاني 2013 ويناير/كانون الثاني 2014.

انتهاكات المتجرين في سيناء

منذ أواسط عام 2010 ذكرت الأمم المتحدة وهيومن رايتس ووتش ومنظمات مجتمع مدني دولية أخرى وكذا الإعلام الدولي والإعلام المصري، وقوع انتهاكات ارتكبها متجرون ضد أشخاص أغلبهم من إريتريا، في شبه جزيرة سيناء في مصر. يقوم المتجرون بالإساءة إلى ضحاياهم لابتزاز الأموال من أقاربهم، في إريتريا ودول أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.

وفي مئات الحالات التي وثقتها منظمات اللاجئين والأمم المتحدة، تبين قيام المتجرين بالإساءة إلى الضحايا، مع إجبارهم على الاتصال بأقاربهم لإخبارهم بدفع فدية بعد سماع صراخ الضحايا. ماتت أعداد مجهولة بعد شهور من الانتهاكات المروعة. في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى 21 إريترياً في مصر وإسرائيل حول الانتهاكات التي كابدوها في 2011 و2012.

الانتهاكات التي وثقتها هيومن رايتس ووتش ومنظمات أخرى، منها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومنظمات مجتمع مدني في مصر وإسرائيل تشمل: اغتصاب السيدات، بما في ذلك إيلاج مواسير بلاستيكية في مؤخراتهن وفروجهن، وحرق الأعضاء التناسلية للسيدات وأثدائهن، وتعرية السيدات وضربهن بالسياط على الأرداف، واغتصاب الرجال بمواسير بلاستيكية، والضرب بعصي أو مواسير حديدية، والضرب بسياط مطاطية أو كابلات بلاستيكية، وصب بلاستيك مذاب أو مطاط مذاب على الجلد، والحرق بالسجائر والقداحات، والتعليق من السقف إلى درجة تشويه الأذرع، والصعق بالكهرباء، والضرب على أخمص القدمين، والإجبار على الوقوف لفترات طويلة، أحياناً لأيام، والتهديد بالقتل وبتر الأعضاء أو قطع الأصابع والإحراق بمواسير حديدية ساخنة أو مياه مغلية، والحرمان من النوم، ووضع المياه على الجروح والضرب على الجروح.

قال 17 شخصاً جرت مقابلتهم لـ هيومن رايتس ووتش إنهم رأوا أشخاصاً يموتون أمامهم بعد التعرض لانتهاكات شديدة.

العنف والابتزاز والعمل الجبري والموت

وصف إريتريون كيف احتجزهم متجرون في سيناء في أوضاع مزرية لشهور وأساءوا إليهم بقسوة وغلظة لابتزاز عشرات الآلاف من الدولارات من أٌقاربهم. في بعض الحالات أسفرت تلك المعاملة عن الموت.

قال 21 إريترياً لـ هيومن رايتس ووتش بالتفصيل كيف أساء إليهم المتجرون في سيناء في عامي 2011 و2012. أظهر 14 شخصاً منهم لـ هيومن رايتس ووتش إصاباتهم، وأغلبها يبدو أنها آثار حروق وندبات سببها الجلد بالسياط والضرب.

وصف 17 إريترياً كيف تم بيعهم من مُتجر إلى آخر في سيناء وكيف اشتد عليهم العنف مع كل مرحلة. قال خمسة لـ هيومن رايتس ووتش إنهم رأوا ضحايا مثلهم يموتون بعد التعرض لانتهاكات متكررة. [67] وصف أربعة كيف رأوا أو سمعوا المتجرين يغتصبون النساء وقالت سيدتان لـ هيومن رايتس ووتش إن المتجرين اغتصبوهما. [68]

في ديسمبر/كانون الأول 2012 راجعت هيومن رايتس ووتش أيضاً ثماني شهادات تفصيلية لإريتريين تم تدوينها من قبل عاملين بمنظمة مجتمع مدني في القاهرة، وفيها وصفوا انتهاكات المتجرين بحقهم تفصيلاً. [69] قال العاملون لـ هيومن رايتس ووتش إن لديهم أكثر من مائة شهادة من ذلك النوع.

وفي تلك المقابلات، وصف الأفراد كيف احتجزهم المتجرون لشهور في أوضاع مزرية وطالبوهم بتسديد آلاف الدولارات مقابل إخلاء سبيلهم وأساءوا إليهم حتى يضطروا أقاربهم للدفع. [70] في كل حالة، قال من أجريت معه المقابلة إن المتجرين كرروا أذيتهم، بشكل يومي تقريباً، بما في ذلك أثناء حديثهم عبر الهاتف مع أقاربهم حتى يسمع الأقارب صراخهم.

تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى صبي يبلغ من العمر 17 عاماً من اسمرا عاصمة إريتريا، فر إلى حافر في السودان في أغسطس/آب 2011، حيث اختطفه "رجال رشايدة" ونقلوه إلى المتجرين في سيناء، الذين أذوه لمدة ثمانية شهور حتى دفع أقاربه 13 ألف دولار:

علقوني من ذراعيّ، وعلقوني في وضع مقلوب من كاحلي. ضربوني وجلدوني على ظهري ورأسي بسوط مطاطي. ضربوني على أخمص قدمي بعصي مطاطية. سكبوا الماء على جروحي وضربوني عليها. أحياناً كنت أصعق بالكهرباء ويحرقونني بمواسير معدنية ساخنة، ويساقطون المطاط أو البلاستيك الذائب على ظهري وذراعي. هددوني بقطع أصابعي بالمقص. كانوا يدخلون الحجرة أحياناً فيخرجوا النساء ثم أسمع النساء يصرخن. وكن يعدن وهن يبكين. أثناء ثمانية شهور رأيت ستة آخرين يموتون بسبب هذا التعذيب. [71]

هناك صبي إريتري آخر يبلغ من العمر 17 عاماً من زوبا دوباب قال إنه فر من إريتريا في 3 أبريل/نيسان 2012 وأن متجرين "رشايدة" نقلوه إلى سيناء بعد أسبوعين، حيث احتجزه متجرون مصريون 10 أسابيع في موقعين مختلفين ومعه 60 شخصاً آخرين. عندما رفض تسديد 20 ألف دولار لمجموعة المتجرين الثانية قاموا بأذيته:

ضربوني على ظهري وساقي وأخمص قدمي بماسورة معدنية. ثم ساقطوا المطاط الذائب على ذراعي وعلقوني إلى السقف من يدي ومن كاحلي، وفي بعض الأحيان يستمر التعليق ساعة أو نحو ذلك. رأيت رجالاً آخرين يموتون أمام عيني لأنهم تُركوا معلقين لفترة طويلة. كنت أشعر بألم مبرح لدرجة أنني لم أكن أتمكن من النهوض إلا بالاستناد إلى الجدار. [72]

قال رجل إريتري يبلغ من العمر 20 عاماً إنه فر من إريتريا في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 مع صديق. قال إن الشرطة السودانية سلمته ومعه مجموعته إلى متجرين أحالوهم إلى سيناء. في سيناء احتجزهم المتجرون وأساءوا إليهم ومعهم عشرات الإريتريين الآخرين، لمدة بلغت ثلاثة شهور تقريباً، واشتمل ذلك على اغتصاب النساء:

تم تعصيب أعيننا أغلب الوقت. ولإجبارنا على السداد، أذونا جميعاً. اغتصبوا بعض السيدات في حجرتنا، أمامنا، وتركوهن عاريات. علقونا في وضع مقلوب وضربونا وأحرقونا على أجسادنا بالسجائر. مات صديقي من التعذيب أمام أعيننا. [73]

قال رجل إريتري يبلغ من العمر 33 عاماً من موركي في منطقة غاشباركا في إريتريا إنه عبر إلى السودان في سبتمبر/أيلول 2011. وهناك احتجزه المتجرون لشهرين قبل نقله إلى سيناء، حيث احتجزته مجموعة ثانية من المتجرين برفقة 25 آخرين تقريباً وطالبوا بـ 25 ألف دولار مقابل الإفراج عنه:

عصبوا أعيينا وعذبونا بشكل يومي. صعقونا بالكهرباء على الأيدي والأقدام. أوثقوا رباط أيدينا وأرجلنا وعلقوني في وضع مقلوب، ثم ضربوني على جسدي بعصي خشبية وجلدوني بكابلات بلاستيكية. ضربوني ضرباً مبرحاً، بحيث لم أعد قادراً على النهوض، لكنهم كانوا يجبرونني على الوقوف طوال الليل لزيادة الألم. اغتصبوا السيدات أمامنا. تمنيت لو أرقد وأموت. [74]

كذلك وثقت هيومن رايتس ووتش قيام متجرين بإجبار ضحاياهم على العمل كعمال نظافة أو في مواقع بناء. [75] هناك أربعة ضحايا إتجار لم يتمكنوا من تسديد الفدية قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إنهم وافقوا على العمل لصالح المتجرين مقابل وقف الانتهاكات التي يتعرضون لها. [76]

قال قيادي مجتمعي بدوي لـ هيومن رايتس ووتش إنه من المعلوم للجميع في أوساط البدو أن المتجرين يجبرون الإريتريين على العمل:

أعرف بالمئات [من الإريتريين] يُجبرون الآن على العمل في مواقع بناء. إنهم يشيدون البيوت للخاطفين الذين يسددون ثمن مواد البناء من أموال الفدية. [77]

منذ عام 2011 قام الشيخ محمد، القيادي الديني البدوي من قبيلة السواركة، والذي يعيش في مهدية بين العريش ورفح التي تقع على الحدود، قام بتحويل بيته إلى بيت آمن للإريتريين وللآخرين الذين يتمكنون من الفرار من المتجرين في سيناء، أو من يتم الإفراج عنهم ويوجههم إليه بدو آخرون.

قال الشيخ محمد لـ هيومن رايتس ووتش إنه يأوي العشرات من الرجال أغلبهم من إريتريا، تعرضوا للتعذيب، وذكر أن بعض الإريتريين ماتوا في بيته جراء الأذى الذي كابدوه على أيدي المتجرين. [78]

قال أحد أقارب الشيخ محمد – ويساعد في رعاية ضحايا الإتجار – لـ هيومن رايتس ووتش: "أحد الأساليب التي يستخدمونها [المتجرون] كثيراً هي نزع الجلد ووضع الملح في الجروح، ومن الطرق الأخرى تعليق الناس من السقف من معاصمهم مع وضع كلابات في حلماتهم وصعقهم بالكهرباء". [79]

منذ مارس/آذار 2012 التقط زملاء للشيخ محمد صوراً لإريتريين في رعايته، وقد أطلع هيومن رايتس ووتش على بعض تلك الصور. يعطي الشيخ محمد الناجين الطعام والرعاية الصحية الأساسية والمأوى ويرتب نقلهم إلى القاهرة. [80] قالت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لـ هيومن رايتس ووتش إن "العديد" من الأفراد الذين ساعد الشيخ محمد في نقلهم للقاهرة كانوا قد "تعرضوا لتعذيب شديد". [81]

جميع القياديين البدو الخمسة الذين تحدثت إليهم هيومن رايتس ووتش قالوا إنه من المعلوم للجميع من هم المتجرون في سيناء. قال رجل بدوي إنه يعرف بأربعة مواقع على مسافة 50 كيلومتراً تقريباً جنوبي العريش حيث احتجز متجرون من قبيلته – السواركة – عشرات الإريتريين على مدار العامين الماضيين وتعرضوا لهم بالأذى. قال إن أغلب الخاطفين تتراوح أعمارهم بين 16 و30 عاماً، وأن جميع من في قبيلته ومدينة العريش يعرفون هؤلاء الرجال ويعرفون ماذا يفعلون. [82]

قام عاملون في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بمقابلة المئات من ضحايا الإتجار في إسرائيل. قالت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لـ هيومن رايتس ووتش:

على جميع من أجريت معهم المقابلات آثار جروح وندبات وإصابات تشهد على المعاملة البدنية والأذى الذي تعرضوا له. وصفت الشهادات انتهاكات من قبيل التقييد بالسلاسل وتعصيب الأعين والحرمان لمدد طويلة من النوم والضرب المتواصل والتعليق حتى تتشوه الأذرع والصعق بالكهرباء وإسقاط مطاط مذاب على الجلد. هناك شهادات أحدث وصفت أشكال جديدة للانتهاك، مثل الحرق المباشر للجلد بالقداحات، عند الرقبة، والرمي بالماء المغلي... 11 من 15 سيدة تمت مقابلتهن ادعين بالتعرض للاعتداءات الجنسية. اشتملت الاعتداءات على إيلاج أدوات، والجنس الفموي، والاغتصاب. وهناك عدة سيدات ورجال وصفوا كيف تعرضت السيدات للاعتداء من قبل رجال إريتريين محتجزين، أجبروا على الإساءة جنسياً إلى السيدات. ومن رفضوا المشاركة في هذا الأمر عوقبوا عقاباً شاقاً بمزيد من الضرب. كما قال رجال إنهم يشتبهون في تعرض السيدات في مجموعاتهم للاعتداء الجنسي، بما أنهن أخرجن من الحجرات عدة مرات ثم أعدن إليها وهن يبكين. [83]

في أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول 2012 تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى مصادر موثوقة في القاهرة على تواصل دائم مع ضحايا الإتجار الذين يتم إخلاء سبيلهم أو يهربون، وقد نشرت هيومن رايتس ووتش ملخصات بما قالوه في سبتمبر/أيلول 2012. [84] قال الضحايا الذين تمت مقابلتهم في 2011 و2012 و2013 إن في سيناء قام المتجرون بتعذيبهم بطرق عديدة، بما في ذلك العنف الجنسي للسيدات. [85]

في ديسمبر/كانون الأول 2013 ويناير/كانون الثاني 2014 تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى ناشطة إريترية دأبت منذ 2010 على الحديث هاتفياً إلى مئات الإريتريين المحتجزين في سيناء، وكذلك مع أقاربهم الخاضعين للابتزاز بالخارج. قالت لـ هيومن رايتس ووتش إن أثناء تجدد الحملة العسكرية المصرية في سيناء، التي بدأت في سبتمبر/أيلول 2013 لم تصلها تقارير جديدة عن الإتجار بالإريتريين في سيناء، لكن في نوفمبر/تشرين الثاني بدأت تصلها المكالمات مجدداً. قالت إنها تحدثت إلى ضحايا للإتجار، وفي حالتين إلى أقارب ضحايا إتجار، وصفوا الظروف التي تم خلالها اختطاف أربع مجموعات من الإريتريين – عددهم الإجمالي 47 شخصاً – في شرق السودان ثم أخذهم إلى سيناء بين نوفمبر/تشرين الثاني 2013 ويناير/كانون الثاني 2014 . [86]

غطى الإعلام الدولي حالات جديدة للإتجار في سيناء في نوفمبر/تشرين الثاني 2013. [87] كذلك قابلت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين عدداً من ضحايا الإتجار تعرضوا لإساءات في سيناء خلال عام 2013. [88]

في منتصف عام 2012 ذكر مجموعة مراقبة الأمم المتحدة المعنية بالصومال وإريتريا أن "المتجرون البدو... يقومون بشكل متواصل باحتجاز الأفراد ومطالبتهم بفدية كبيرة يسددها أقاربهم من أجل الإفراج عنهم، تتراوح عادة بين 30 و50 ألف دولار. إذا لم يتم دفع الفدية، يمكن أن يتعرض الرهائن للتعذيب الشديد أو القتل". ذكرت مجموعة المراقبة خمس شهادات لإريتريين تعرضوا للاختطاف في شرق السودان أو الخرطوم ونقلوا إلى سيناء، حيث تعرضوا للتعذيب وحيث ذكر بعضهم تعرض ضحايا اختطاف آخرين معهم للموت تحت وطأة التعذيب. [89]

في يونيو/حزيران 2013 أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي للإتجار بالأشخاص، والذي ورد فيه:

إن حالات الإتجار بالأشخاص والتهريب والاختطاف والتعذيب وابتزاز المهاجرين ومنهم طالبي اللجوء واللاجئين – لا سيما من إريتريا والسودان ومن أثيوبيا بدرجة أقل – تستمر في الحدوث في شبه جزيرة سيناء على أيدي جماعات إجرامية. العديد من هؤلاء المهاجرين تناقلت التقارير احتجازهم لطلب الفدية وإجبارهم على الخدمة الجنسية أو العمل الجبري أثناء أسرهم في سيناء، بناء على شهادات للضحايا موثقة. تستمر تقارير الأذى البدني والجنسي في التزايد... يتعرضون للقسوة، وتشمل الجلد والضرب والحرمان من الطعام والاغتصاب والتقييد ببعضهم البعض والإجبار على أداء أعمال منزلية أو يدوية في بيوت المهربين. [90]

على مدار السنوات الثلاث الماضية قام مئات الإريتريين أيضاً بتوفير شهادات تفصيلية في المحاكم الإدارية بمراكز الاحتجاز الإسرائيلية، حول التعذيب الذي تعرضوا له في سيناء. نشرت منظمات مجتمع مدني إسرائيلية بعض تلك الشهادات. [91] في ديسمبر/كانون الأول 2010 راجعت هيومن رايتس ووتش وكتبت عن 30 شهادة من هذا النوع، تصف قيام المتجرين بتقييد الناس من الأقدام إلى بعضهم البعض لشهور، واغتصاب السيدات وإحراق الأطراف بمواسير معدنية ساخنة، والجلد بأسلاك كهربية، والضرب والإجبار على أداء العمل اليدوي. [92] وجدت هيومن رايتس ووتش أن الشهادات قابلة للتصديق بسبب مستوى التفاصيل الذي تحتويه، وأيضاً نظراً لاتساقها مع المقابلات التي أجرتها هيومن رايتس ووتش في مصر وإسرائيل في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2012.

ومنذ عام 2010 أصدرت منظمات غير حكومية تقارير عديدة توثق تعذيب ووفاة أشخاص من أفريقيا جنوب الصحراء في سيناء. [93]

قامت منظمة أطباء لأجل حقوق الإنسان-إسرائيل، وهي منظمة مجتمع مدني تدافع عن الحقوق الصحية للمهاجرين غير القانونيين وتعطيهم رعاية صحية أولية وثانوية، قامت بعلاج المئات ممن تعرضوا للتعذيب على يد المتجرين في سيناء. بناء على 1300 مقابلة مع أشخاص من أفريقيا جنوب الصحراء دخلوا إسرائيل مروراً بسيناء بين نوفمبر/تشرين الثاني 2010 ومايو/أيار 2012، فقد أفادت المنظمة أن نحو ربع من أجريت معهم المقابلات ذكروا أنهم تعرضوا لانتهاكات جسيمة وتشمل الاعتداء الجنسي والصعق بالكهرباء والحرق بأدوات معدنية، والضرب، والجلد، والتعليق من الأطراف لمدد طويلة، والتعريض للشمس والإعدام والتهديد ببتر الأعضاء. [94]

في سبتمبر/أيلول 2012 نشرت جامعة تلبورغ في هولندا تقريراً بناء على مقابلات مع 123 من ضحايا الإتجار تحدثوا عن التعذيب الذي كابدوه في سيناء وما تعرض له 240 شخصاً آخرين من ضحايا التعذيب، وبينهم أطفال. تحدث من أجريت معهم المقابلات عن الاغتصاب والضرب المبرح والصعق بالكهرباء والحرق والتعليق من الأطراف والتعليق من الشعر وبتر الأطراف. وتحدثوا أيضاً عن مشاهدة ضحايا اختطاف آخرين يموتون جراء التعذيب. [95]

في ديسمبر/كانون الأول 2013 نشرت الجامعة تقريراً ثانياً قابل المؤلفون خلال إعداده 115 إريترياً وصفوا كيف تم اختطافهم في شرق السودان وكيف تعرضوا للانتهاكات في السودان ثم على يد متجرين مصريين في سيناء. [96]

تحدث مسؤولون بالأمن المصري لم تُعلن أسمائهم عن العثور على جثث لمواطنين أفارقة في مناطق عدة في سيناء. [97] ونشرت منافذ إعلامية دولية ومصرية عشرات الموضوعات عن انتهاكات المتجرين في سيناء. [98]

أعداد الضحايا ومدد الاحتجاز وهويات المتجرين ومواقعهم

طبقاً للسلطات المصرية، وكذلك بناء على تقديرات العديد ممن يعملون بمساعدة اللاجئين في مصر، بما في ذلك ما يتعلق بالتعرض لانتهاكات في سيناء، فلم تحقق السلطات المصرية في الإتجار بالبشر والتعذيب في سيناء، ولا تسمح للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالاضطلاع بأنشطة هناك. نتيجة لذلك، فلا توجد إحصاءات عن أعداد ضحايا الإتجار وعدد من يتعرضون للعنف.

تقول المفوضية السامية إن بين يناير/كانون الثاني 2006 وديسمبر/كانون الأول 2012 دخل 35 ألف إريتري إلى إسرائيل مروراً بسيناء. من بينهم هناك نحو 25 ألف شخص عبروا في 2011 و2012. [99] ليس هناك سبيل لمعرفة عدد من تعرضوا للتعذيب والإساءات. نظراً لأن ربع ضحايا الإتجار الـ 1300 الذين قابلتهم أطباء لأجل حقوق الإنسان-إسرائيل قالوا إنهم تعرضوا للتعذيب والانتهاكات، فمن المرجح أن يكون العدد بالآلاف. [100] هناك متجر قابله باحثون في عام 2013 قال إنه مسؤول شخصياً عن مقتل 1000 شخص بين إريتريين ومواطنين آخرين من أفريقيا جنوب الصحراء. [101]

بين 2010 و2013 أجرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في إسرائيل أكثر من 700 مقابلة مع مواطنين من أفريقيا جنوب الصحراء وصلوا إلى إسرائيل مروراً بسيناء وكانت على أجسادهم ندبات، وقد وصفوا في مقابلات تفصيلية كيف أساء إليهم المتجرون في سيناء. [102]

وهناك إريتريون تحدثوا مع هيومن رايتس ووتش قالوا إنهم تعرضوا للاحتجاز في سيناء لمدة تتراوح بين أسبوعين وثلاثة شهور. الناجون من الإتجار الذين تحدثوا إلى أطباء لأجل حقوق الإنسان-إسرائيل، وصفوا التعرض للاحتجاز لمدد بين أيام قليلة وسنة تقريباً، ما يؤكد تصريحات لبعض الإريتريين الذين قالوا لمنظمة مجتمع مدني مصرية أنهم احتجزوا لمدة ناهزت العام. [103] متوسط مدة الاحتجاز التي أشارت إليها عينة صغيرة من الشهادات من ضحايا للإتجار أمام محاكم هجرة إسرائيلية كانت 140 يوماً. [104]

نحو الثلث من 36 إريترياً تحدثوا مع هيومن رايتس ووتش قالوا إنهم احتجزوا لفترات طويلة لأنهم تنقلوا بين عدد من المتجرين الذين باعوهم لبعضهم البعض، وقال إريتريون لمنظمات أخرى المثل. [105] قال المتجر البالغ من العمر 17 عاماً الذي قابلته هيومن رايتس ووتش إنه قام بشكل متواصل بالشراء من بدو آخرين ضحايا إتجار على أجسادهم آثار تعذيب وأنهم كانوا يعانون من الضعف. [106]

كما سبق الذكر فإن هيومن رايتس ووتش قد قابلت اثنين من المتجرين قالا إن هناك العشرات من قواعد المتجرين في المناطق المحيطة بالعريش وحدها. قابل صحفيون ضحايا إتجار احتجزوا في المهدية قرب الحدود مع غزة. [107]

بناء على مئات المقابلات مع ضحايا الإتجار فقد نشرت العديد من المنظمات تفاصيل عن المتجرين الذين قال الضحايا إنهم احتجزوهم وأساءوا إليهم. وكما نناقش أدناه، فلم تبذل الشرطة المصرية جهداً يُذكر – أو لم تبذل أي جهد – للتحقيق أو القبض على من توجد مزاعم عن تحملهم المسؤولية.

محاولات المجتمع المحلي لوقف الإتجار

قال قياديان بدويان لـ هيومن رايتس ووتش إن التجمعات السكانية البدوية في شتى أنحاء سيناء تعرف من هم المتجرون. في غياب أي رد فعل من قوات الأمن المصرية على جرائم الإتجار في سيناء، حاولت بعض القيادات المجتمعية إقناع المتجرين البدو بالعدول عن الاستمرار في جرائمهم. [108]

وصف قادة مجتمعيون لـ هيومن رايتس ووتش كيف أن "محاكم الشريعة" غير الرسمية قد شجعت الخاطفين على الكف عن أنشطتهم. [109] قال قيادي مجتمعي بارز ساعد العديد من الإريتريين ومواطنين من أفريقيا جنوب الصحراء بعد الإفراج عنهم أو فرارهم، إنه يعرف بـ 15 شخصاً يقومون بالتعذيب، نبذوا أنشطتهم أمام تلك المحاكم. [110]

تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى قيادي مجتمعي بارز يرأس محكمة من ذلك النوع، وقال إن عشرة رجال قد نبذوا أنشطتهم أمام مجلسه في 2011 و2012. قال الشيخ إنه لا اعتراض لديه على إغلاق الشرطة والجيش المصريين لمخابئ الخاطفين لأن الاختطاف والتعذيب "ليسا من القيم الإسلامية". [111]

تواطؤ عناصر من قوات الأمن المصرية مع المتجرين

يظهر من مقابلات هيومن رايتس ووتش مع إريتريين أن بعض عناصر الشرطة والجنود المصريين – بما في ذلك لدى قناة السويس الخاضعة لمراقبة كثيفة – قد تواطؤوا على نقل الإريتريين إلى سيناء واحتجازهم بها.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 قابلت هيومن رايتس ووتش 11 إريترياً بشأن 19 واقعة بين 2009 و2012 اشتملت على تواطؤ لعناصر من الشرطة أو الجيش مع المتجرين، الذين احتجزوهم وعذبوهم في سيناء. تتعلق 11 واقعة بالجيش وثماني وقائع بالشرطة. [112]

حدث التواطؤ لدى نقاط على امتداد النيل، لم يتمكن الضحايا من معرفة أسمائها، حيث سلّم متجرون سودانيون الضحايا إلى عناصر في الجيش أو الشرطة المصرية، وقاموا بدورهم بإحالتهم إلى متجرين مصريين. ولدى قناة السويس، حيث يعبر متجرون سودانيون أو مصريون في قوارب، وقاموا بتسليم الضحايا إلى جنود مصريون على الجانب الشرقي (سيناء) من القناة، أو حيث يسمح عناصر من الشرطة المصرية على الجانب الغربي للقناة بمرور شاحنات ممتلئة بضحايا الإتجار عبر الجسر الوحيد المخصص للمركبات العابر للقناة، ولدى بيوت المتجرين أو لدى الحواجز الأمنية في سيناء، حيث زار عناصر من الجيش المصري بيوت لمتجرين ورأوا ضحايا الإتجار ولم يتدخلوا أو حيث اعترض أفراد من الجيش ضحايا إتجار وأعادوهم إلى متجرين، ولدى الحدود مع إسرائيل حيث وعلى النقيض من سلوك قوات الأمن المصرية على الحدود التي تحاول منع الإريتريين والآخرين من العبور إلى إسرائيل – قام جنود بمقابلة المتجرين الذين أفرجوا عن ضحاياهم وساعدوا الضحايا على عبور الحدود.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 قالت رئيسة اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الإتجار بالبشر لـ هيومن رايتس ووتش إنه لم تحدث ملاحقات قضائية للمتجرين والمجرمين الآخرين المسؤولين عن انتهاكات بحق مواطنين من أفريقيا جنوب الصحراء في سيناء.

إن التواطؤ من قبل عناصر من الأمن المصري مع المتجرين الذين أساءوا إلى ضحاياهم بدنياً، وإخفاق السلطات المصرية في التحقيق في انتهاكات المتجرين، مقترناً بالطبيعة الخطيرة لهذه الانتهاكات، يعني أن مصر تخرق التزاماتها بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب. [113]

وكما نوضح أدناه، فإن السلطات المصرية قد ردت على عرض هيومن رايتس ووتش لهذه النتائج إما بإنكار التواطؤ أو وقوع الانتهاكات في سيناء، أو بالقول بأن ليس لدى السلطات معلومات كافية لفتح تحقيقات.

التواطؤ لدى النيل

وثقت هيومن رايتس ووتش واقعتين حيث قام جنود مصريون بالتواطؤ مع المتجرين لدى النيل. لم يتمكن ضحايا الإتجار من ذكر من أين عبروا النيل تحديداً.

هناك صبي إريتري يبلغ من العمر 16 عاماً قال إنه فر إلى السودان في فبراير/شباط 2012 لكن تعرض للاختطاف على يد ستة من "رجال الرشايدة" بعد عبوره بقليل، والذين قاموا بنقله في مجموعة إلى مصر. قال:

عندما وصلنا إلى نهر كبير قال لنا الرشايدة إن هذا هو النيل. كان أمامنا بالفعل 20 إريترياً آخرين مختطفين، ينتظرون هناك. وضعونا جميعاً على متن قارب، وغطونا بغطاء بلاستيكي، ومضينا بالقارب نحو الساعتين. كان هناك ستة أشخاص بأسلحة ينتظروننا على الجانب الآخر. كان الظلام يعم، لكن عندما اقتربنا تمكنت من تمييز أن لون البشرة أقل دكنة من السودانيين، فعرفنا أنهم مصريون. كان ثلاثة يرتدون الجلباب وثلاثة في زي عسكري، ومعاطف خضراء عليها بقع وسراويل بألوان مختلطة منه اللون الرمادي.
وقف الرجال الثلاثة في الزي الرسمي إلى جانب يراقبون في حين قام الثلاثة الآخرون بضربنا بالعصي وأجبرونا على ركوب صندوق شاحنتين وغطونا بالغطاء البلاستيكي. رأيت من ثقوب في الغطاء الجنود الثلاثة يركبون صندوق الشاحنة التي أتواجد بها.
بعد وهلة وصلنا إلى حاجز عسكري وتوقفنا. سمعت أشخاصاً يتكلمون ثم مضينا في طريقنا. في المرة التالية حين توقفنا حمّلنا جميعاً أربعة رجال يرتدون الجلباب ومعهم أسلحة في صندوق شاحنة كبيرة. رأيت اثنين من الرجال في زي رسمي يمضيان في واحدة من الشاحنات الصغيرة وظل الرجل الثالث معنا في أثناء تحميلنا إلى الشاحنة الكبيرة. بعد ذلك لم أره مرة أخرى. [114]

قال رجل إريتري يبلغ من العمر 26 عاماً إن المتجرين السودانيين أخذوه مع ضحايا إتجار آخرين إلى مصر في فبراير/شباط 2012، حيث عبروا النيل ثم احتجزوهم ثلاثة أيام في بيت قريب من النيل. قال:

بعد ثلاثة أيام وصلت ست مركبات عسكرية لونها بني فاتح. كانت بشرة الرجال الذين خرجوا من المركبات أقل دكنة وبدوا مصريين. كانوا يرتدون ثياباً مدنية عادية، باستثناء رجلين يرتديان الجلباب. كانت معهم جميعاً أسلحة ويتمنطقون أحزمة عسكرية فيها معدات عسكرية. وضع الرجال مجموعتنا وقوامها نحو 30 شخصاً في أربع من المركبات العسكرية الست.
مضوا بنا مسيرة ليلة ويوم. تبعتنا المركبتان العسكريتان الأخريان طوال الطريق. ثم نقلنا الرجال إلى شاحنة مدنية كبيرة. لم يركب أي من الرجال من الشاحنات العسكرية في الشاحنة الكبيرة معنا. [115]

التواطؤ لدى الحواجز الأمنية

وثقت هيومن رايتس ووتش خمس وقائع حيث تواطأت الشرطة المصرية مع متجرين لدى حواجز أمنية.

في واقعة دالة على ثلاث وقائع أخرى، اعترضت الشرطة السودانية إريترياً يبلغ من العمر 20 عاماً كان قد فر إلى السودان في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 وسلمته إلى متجرين سودانيين. بعد احتجازه لمدة شهر في السودان، نقلوه برفقة عشرات الإريتريين الآخرين في شاحنة ميتسوبيشي متوسطة الحجم. قالت الشرطة لهم أن يجلسوا ويغطوا أنفسهم بغطاء بلاستيكي. قال:

أخبرونا عندما وصلنا إلى مصر بالوصول. ثم مررنا بثلاث حواجز شرطية. كنا نراهم من ثقوب الغطاء البلاستيكي. كانت بشرة رجال الشرطة أفتح من السودانيين فعرفنا أنهم مصريون. كانوا يرتدون زياً أخضر وقبعات. لم ينظروا تحت البلاستيك مطلقاً. في كل مرة قاموا بتفتيش جميع السيارات لكن ليس سيارتنا. كانوا يدعونا نمر ببساطة. [116]

التواطؤ لدى قناة السويس

تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى ستة إريتريين وصفوا كيف تواطأ جنود ورجال شرطة مع متجرين لدى قناة السويس. هناك أربع وقائع شهدت تورط عنصر عسكري واثنين من رجال الشرطة. وقعت بعض حالات التواطؤ على ضفاف القناة، مع نقل المتجرين لضحاياهم في قوارب، وأحياناً في الليل. هناك حالات أخرى حدثت في حواجز أمنية وعسكرية لدى مدخل جسر قناة السويس عند القنطرة، على مسافة 160 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة و50 كيلومتراً جنوبي بورسعيد.

هناك رجل سوداني يبلغ من العمر 32 عاماً كان يحاول بلوغ إسرائيل ويسافر مع مهربين إلى سيناء في أبريل/نيسان 2011، ومعه 70 سودانياً آخرين، في حافلة للركاب. تم اختطاف المجموعة على يد متجرين مصريين لدى وصولهم إلى قناة السويس. قال لـ هيومن رايتس ووتش:

قال لنا السائق أن ننزل من الحافلة وقال لنا أن ننتظر في بيت، على مسافة 150 متراً من الشاطئ. بعد الظلام مباشرة، وصل عناصر من الشرطة المصرية – في ثياب رسمية زرقاء – وبعد ذلك بقليل وصل قارب. وضع المهربون 25 منّا في القارب، في حين وقف رجال الشرطة على مسافة 50 متراً، يراقبون. عبرنا القناة، وعلى الجانب الآخر كان هناك ثلاثة جنود يرتدون زياً رسمياً لونه بيج ومنقّط ومعهم مسدسات صغيرة، يقفون إلى جوار بعض الرجال الذين يبدو أنهم من البدو. في حين وقف الجنود يراقبون، حملنا البدو في صندوق شاحنتين مدنيتين صغيرتين وأخبرونا أن نرقد ونغطي أنفسنا بالغطاء البلاستيك. [117]

روى رجل إريتري يبلغ من العمر 37 عاماً قصة مماثلة تقريباً. قال لـ هيومن رايتس ووتش إن في يونيو/حزيران 2011 أخذه المتجرون برفقة 80 آخرين لعبور القناة ليلاً في قارب، وأن على شاطئ سيناء مضى بهم جنديان مصريان من القارب إلى سيارات تخص متجرين من البدو، قاموا بالإساءة إليهم على مدار ثلاثة أسابيع. [118]

هناك رجل إريتري يبلغ من العمر 22 عاماً تم الإتجار به بنقله من السودان إلى مصر في يونيو/حزيران 2011. قال:

تم وضع العشرات منّا في صندوق شاحنة وعلى رأسنا غطاء بلاستيكي. عندما وصلنا إلى جسر قناة السويس، رأى بعضنا من خلال ثقوب الغطاء. رأيت ثلاثة من المتجرين يخرجون ويتحدثون مع السيارات الأخرى لكن لم يفحصوا سيارتنا. عاد الخاطفون إلى الشاحنة ومضوا بنا فوق الجسر. [119]

أكد أحد المتجرين الاثنين الذين قابلتهما هيومن رايتس ووتش في سيناء إن عناصر من الشرطة والجيش المصريين يتواطؤون مع المتجرين لدى الجسر ولدى نفق الشهيد أحمد حمدي المار تحت القناة على مسافة عشرة كيلومترات تقريباً شمالي بلدة السويس:

من السودان، يمضي المتجرون إلى أسوان، ويمكثون هناك ليلة أو ليلتين، ثم يتقدمون إلى الإسماعيلية [30 كيلومتراً جنوبي جسر قناة السويس]. ومن هناك يعبرون القناة إلى سيناء، بالقارب أو من فوق الجسر أو من خلال النفق. على الجانب الآخر يسلمون الأفراد إلى أشخاص يعملون معي، ومعهم سيارات، على هذا الجانب [سيناء] من القناة.
يعبرون الجسر أو يمضون في النفق بحافلات وشاحنات ممتلئة بالأفارقة. حتى ديسمبر/كانون الأول 2011 كان عناصر الشرطة عند الجسر وعند النفق يتقاضون رشاوى ويدعوننا نجلب الأفارقة إلى سيناء. أحياناً كان يقوم رجال شرطة حتى بقيادة الشاحنات للعبور بها. في ديسمبر/كانون الأول سيطر الجيش على الجسر. أحياناً يكون من الصعب عبور الجسر أو النفق، لكن ما زال يتم تقاضي رشاوى لتركنا نمر. [120]

طبقاً لعامل بالمساعدات الإنسانية في القاهرة على دراية جيدة بالموقف لدى قناة السويس، فإنه منذ بدايات 2011 تمركز الجيش والشرطة لدى النفق ولدى الجسر. [121]

في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2012 قال قيادي مجتمعي بدوي لـ هيومن رايتس ووتش إن المتجرين البدو أخبروه بأنه إذا دفعوا ما بين 1000 و2000 دولار فإن الجنود لدى الجسر والنفق يسمحون لهم بالعبور بالشاحنات بما قد يصل إلى 80 أفريقياً داخلها. [122]

حالات تواطؤ أخرى في سيناء

تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى رجل إريتري يبلغ من العمر 26 عاماً قال إنه كان محتجزاً على يد متجر بالبشر في سيناء لمدة 3 أشهر في أواخر 2010:

تم احتجازي في مكان مع 85 شخصاً آخرين، بينهم 20 سيدة. أتذكر قول بعض الناس لي إنهم يحسبون أنهم على مقربة من قاعدة الأمم المتحدة لدى بلدة رفح الحدودية [لدى الحدود بين مصر وغزة]. أثناء تلك الشهور الثلاثة سمعت من مترجمين إريتريين يعملون مع المُتجِر إنه يحتجز 200 شخص في أماكن أخرى، فعرفنا جميعاً أنه مُتجر كبير.
ألزم المتجرون بعضنا بالعمل كعمال بناء ونظافة في مواقع بناء وفي بيت رجل قال المترجمون الإريتريون إنه متجر بالبشر. عملت لمدة أسبوعين تقريباً في بيته وأثناء قيامي بالتنظيف هناك رأيت جنديين مصريين – يرتديان زياً عسكرياً، أخضر وبني ومموه – يدخلان البيت ثلاث مرات. كل مرة كانا نفس الرجلين، وفي كل مرة كانا ينظران إلينا ونحن ننظف البيت. أذكر أن بعضنا قالوا إنهم يعتقدون إننا ننظف البيت لتحضيره للجنديين.
تمكن بعض الإريتريين الأخرين من مجموعتنا من الهرب. لم يعد بعضهم قط، لكن الجنود أمسكوا بمجموعة من خمسة أفراد بعد ساعة من هربهم وجلبوهم إلى المُتجِر الذي يحتجزنا. عندما عادت تلك المجموعة قالوا لنا ما حدث. [123]

هناك رجل إريتري يبلغ من العمر 20 عاماً يقرأ ويتحدث العربية، قال إنه نُقل إلى سيناء في نوفمبر/تشرين الثاني 2008، حيث احتجزه المتجرون تسعة أشهر قرب بلدة العريش:

أثناء الأسبوع الأول هربت من حفرة في جدار الحمام وركضت إلى أن بلغت بلدة. رأيت اسم "العريش" هناك عدة مرات. لكن الجنود رأوني وأخذوني إلى حاجز أمني. لم يسألوني أية أسئلة وقالوا أنه لا يمكنني المغادرة. رأيتهم يجرون مكالمات هاتفية. بعد ساعة وصل المُتجر الذي كان يحتجزني. رأيته يعطي أحد الجنود نقوداً ثم سلماني إليه وأخذني مرة أخرى. صاح في: "اضطررت لدفع نقود كثيرة لاستعادتك". [124]

قال رجل إريتري يبلغ من العمر 43 عاماً لـ هيومن رايتس ووتش إنه كان يسافر مع زوجته وأطفاله الأربعة وعبروا إلى السودان في مايو/أيار، حيث اختطفهم متجرون سودانيون واحتجزوهم 65 يوماً قبل نقلهم إلى سيناء. هناك، قال إن المتجرين احتجزوهم 25 يوماً وعذبوه مع إريتريين آخرين. قال إنه بعد أن دفع للخاطفين 14 ألف دولار أفرجوا عنه:

حوالي الثامنة مساءً أخذنا اثنان من البدو الذين كانوا يحتجزوننا، وكان عددنا 15 شخصاً – تسعة سودانيين وستة إريتريين – إلى الحدود [مع إسرائيل] في سيارتين، حيث قابلنا جنديين مصريين. مضينا جميعاً نحو نصف الساعة ثم أخذنا الجنود إلى السياج الإسرائيلي وأظهروا لنا من أين نعبر. [125]

في يونيو/حزيران 2013 توصلت وزارة الخارجية الأمريكية إلى أن "الشرطة في سيناء أخفقت في التحقيق أو تقاضت رشاوى من مجرمين ينقلون ضحايا الإتجار إلى سيناء. ... تناقلت التقارير إخفاق الشرطة في التحقيق في المركبات التي يستخدمها المجرمون في نقل المهاجرين – وبعضهم قد يكونوا ضحايا إتجار بالأشخاص – عبر الجسور التي تسيطر عليها وزارة الداخلية إلى سيناء". [126]

IV . إخفاق السودان ومصر في التحقيق  في الإتجار بالبشر والتواطؤ والتعذيب

يطالب القانونان الوطني والدولي السودان ومصر بالتحقيق والملاحقة القضائية للمتجرين الذين يسيئون إلى ضحاياهم، وللمسؤولين الذين يتواطؤون معهم.

إلى الآن نظر القضاء السوداني 14 قضية فقط تخص الإتجار بالإريتريين في شرق السودان وحولها، وقاضت مصر شخصاً واحداً على صلة بانتهاكات المتجرين في سيناء. لم تقاض مصر أي مسؤولين على تواطؤ مع متجرين من سيناء، في حين قاضى السودان أربعة فحسب. نظراً لطبيعة الانتهاكات التي ارتكبها المتجرون، ولتواطؤ مسؤولين مع المتجرين، وإخفاق السلطات في الملاحقة القضائية على تلك الأعمال، فقد حدث خرق لالتزامات كل من السودان ومصر بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب.

كما أن إخفاق المسؤولين في مصر والسودان في التحرك بناء على معلومات متوفرة ومتاحة عن مدى انتشار الانتهاكات في شرق السودان وفي سيناء، فهذا يعني أنهم مسؤولون بموجب الاتفاقية عن تقبل انتهاكات المتجرين.

أخفق البلدان في التصدي على النحو الكافي للانتهاكات وهو ما يعني أنهما يخرقان أيضاً التزامات حقوق الإنسان المتمثلة في حماية جميع الأفراد داخل أراضي الدولة من الاعتداءات التي تمس السلامة البدنية. فضلاً عن ذلك فإن مصر تعد مخالفة لالتزاماتها الخاصة بمكافحة الإتجار، الوطنية والدولية.

الالتزامات القانونية

إخفاق السودان ومصر (موصوف أدناه) في التحقيق والملاحقة القضائية للمتجرين الذين يأخذون إريتريين وضحايا إتجار آخرين إلى سيناء حيث يتعرضون لأعمال عنف مروعة واستغلالية، يعني أن البلدين يخالفان  الالتزامات المترتبة عليهما بموجب القانون الجنائي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بمنع ومقاضاة الإتجار وبكفالة الحق في الحياة والسلامة البدنية لجميع الأفراد على أراضي الدولة. كذلك تعد مصر مخالفة لالتزاماتها القانونية الخاصة بمكافحة الإتجار، الدولية والوطنية.

في الحالات التي تواطأ فيها مسؤولون سودانيون ومصريون مع المتجرين الذين ألحقوا أذى وألم جسيم ومعاناة بالأفراد الذين يحتجزونهم من أجل إكراه الضحايا أو أقارب الضحايا على دفع أموال، فإن هؤلاء المسؤولين يعتبرون متواطئين في أعمال التعذيب بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب، ولابد من التحقيق معهم وملاحقتهم قضائياً.

التزامات التحقيق في الإتجار والانتهاكات ذات الصلة وتواطؤ قوات الأمن مع المتجرين

إن بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الإتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال، يعرف الإتجار بأنه تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم "بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر... أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال"، و"يشمل الاستغلال، كحد أدنى، استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، أو السخرة أو الخدمة قسرا، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء". [127]

والجرائم الموصوفة في هذا التقرير تدخل في نطاق الإتجار. إذ يقوم المجرمون بنقل وتنقيل وإيواء الإريتريين باستخدام القوة أو التهديد بالقوة بغرض الاسترقاق.

يعرّف القانون الدولي الاسترقاق بأنه وجود علاقة يمارس فيها على أي شخص "السلطات الناجمة عن حق الملكية، كلها أو بعضها". [128]

في عام 2000 أصدرت الدائرة التمهيدية بالمحكمة الجنائية الدولية دليلاً إرشادياً بشأن جرائم "الاسترقاق" و"الرق الجنسي" وتوصلت إلى أنه في الحالتين تشتمل الجرائم المذكورة على ممارسة شخص "لكل أو بعض السلطات الناجمة عن حق الملكية على شخص أو أكثر، بما في ذلك من خلال الشراء أو البيع أو الإقراض أو المقايضة بهذا الشخص أو الأشخاص، أو بأن يُفرض عليهم حرماناً مماثلاً من الحرية". [129]

وفي عام 2002 رأت دائرة المحاكمة بالمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة أن العوامل التي تسهم في "الاسترقاق" تشمل "السيطرة على تنقلات شخص ما، والسيطرة على البيئة المادية والسيطرة النفسية والإجراءات المتخذة للمنع أو الردع عن الهرب واستخدام القوة والتهديد بالإكراه والإبقاء والتأكيد على المقصورية والتعريض لمعاملة قاسية أو إساءات وأذى والسيطرة على الجنسانية [الخاصة بالشخص]..." [130]

يطالب بروتوكول الإتجار الدول بتجريم الإتجار وتجريم التواطؤ مع المتجرين وتعزيز تدابير السيطرة على الحدود من أجل ردع ومنع الإتجار. [131]

بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فإن الدول ملتزمة بحماية جملة من الحقوق لأي شخص يخضع لولايتها، بما في ذلك الحق في الحياة والحق في السلامة البدنية. [132]

وبموجب القانون الجنائي السوداني لسنة 1991 فإن السلطات السودانية مسؤولية عن التحقيق والملاحقة القضائية لأي شخص يخالف القانون الذي يجرم من بين أمور أخرى "الجرح العمد" "جريمة الأذى" و"استخدام القوة الجنائية" و"التوعد بالإضرار" و"الإرهاب" و"الخطف" و"المنع من الحركة بشكل غير مشروع" و"الابتزاز". [133] كذلك يحظر القانون "الاتفاق الجنائي" والمساعدة في ارتكاب عمل جنائي أو تقاضي رشاوى، ويجرم انخراط الموظفين العموم في أعمال من شأنها "إلحاق أي ضرر بأي شخص آخر"، وهو النص المنطبق على التواطؤ مع المتجرين. [134]

لم يصدر السودان بعد تشريعاً لمكافحة الإتجار. في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2013 تم تقديم مسودة قانون لمكافحة الإتجار للمجلس الوطني السوداني ليراجعها. [135] تجرم مسودة القانون أعمال الإتجار التي يعرفها بقيام شخص بخداع أو نقل... أشخاص أو اختطافهم أو ترحيلهم أو إيوائهم أو تلقيهم أو احتجازهم... بقصد استغلالهم أو استخدامهم في أعمال غير مشروعة لتحقيق هدف غير مشروع [بغرض] الكسب المادي... وأن يتم ذلك بواسطة استخدام القوة أو أي شكل من أشكال الإكراه أو الخطف أو التزوير أو الخداع أو إساءة استخدام السلطة أو التأثير أو الاستغلال أو استغلال حالة الاستضعاف... [136]

يعرف القانون المصري لمكافحة الإتجار بالبشر هذه الجريمة بأنها، من بين أمور أخرى "النقل أو التسليم أو الإيواء أو الاستقبال أو التسلم" لشخص "بواسطة استعمال القوة أو العنف أو التهديد بهما، أو بواسطة الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع، أو استغلال السلطة، أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة" حيث يكون ذلك "بقصد الاستغلال أيا كانت صوره..." . [137]

المجرمون المصريون الذين يشترون الإريتريين من المتجرين السودانيين ويستخدمون النقود لابتزاز النقود منهم يدخلون في نطاق هذا التعريف.

في يوليو/تموز 2007 صدر قرار رئاسي بإنشاء اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الإتجار بالبشر (لجنة مكافحة الإتجار بالبشر) المكلفة بتنسيق أنشطة مختلف هيئات الدولة لمكافحة الإتجار بالبشر بشكل أكثر فعالية. [138] للجنة التوجيهية الخاصة بلجنة مكافحة الإتجار "وحدة لمكافحة الإتجار" منوطة بالتعاون مع المنظمات الدولية والوطنية في مساعدة ضحايا الإتجار. [139]

كما يجرّم قانون العقوبات المصري جرائم القتل والاعتداء على السلامة البدنية والاغتصاب وتقاضي الرشاوى ومختلف أشكال الاتفاق الإجرامي. [140]

الالتزامات بالتحقيق في التعذيب

العناصر الجوهرية الثلاث لتعريف التعذيب في اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب تتصل بطبيعة الانتهاك وسبب الانتهاك وتورط المسؤول العام فيه. تعرف الاتفاقية التعذيب بصفته "أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث - أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية..." [141]

كذلك تطالب الاتفاقية بأن "تضمن كل دولة طرف أن تكون جميع أعمال التعذيب جرائم بموجب قانونها الجنائي، وينطبق الأمر ذاته على قيام أي شخص بأية محاولة لممارسة التعذيب وعلى قيامه بأي عمل آخر يشكل تواطؤا ومشاركة في التعذيب". [142]

الانتهاكات التي يلحقها المتجرون بالإريتريين والآخرين في السودان ومصر تشتمل على الإلحاق العمدي للألم المبرح والقصد منها إكراه الضحايا وأقاربهم على دفع فدية.

تطالب الاتفاقية بالتحقيق مع أي مسؤول يحرض على التعذيب أو يسكت عنه أو يوافق عليه. لجنة مناهضة التعذيب، الجهة المنوطة بمراقبة التزام الدول بالاتفاقية ذكرت أن:

حيث تعرف سلطات الدولة أو آخرون بصفة رسمية... أو تتوفر أسانيد معقولة لاعتقادهم بوقوع أعمال تعذيب ومعاملة سيئة من قبل أطراف من غير الدولة أو فاعلين خاصين ثم يخفقوا في ممارسة الانتباه اللازم لمنع والتحقيق وملاحقة ومعاقبة هؤلاء الأطراف أو الفاعلين بموجب الاتفاقية، تتحمل الدولة المسؤولية ويجب اعتبار مسؤوليها مرتكبين أو متواطئين أو مسؤولين بشكل آخر بموجب الاتفاقية عن السماح أو القبول لهذه الأعمال غير المسموح بها. بما أن إخفاق الدولة في ممارسة الانتباه اللازم للتدخل من أجل وقف ومعاقبة وتعويض ضحايا التعذيب ييسر من ويمكن الأطراف من غير الدولة من ارتكاب الأعمال غير المسموح بها بموجب الاتفاقية مع الإفلات من العقاب، فإن عدم تحرك الدولة أو لامبالاتها تعد شكلاً من التشجيع و/أو السماح الفعلي. طبقت اللجنة هذا المبدأ على إخفاق الدول الأطراف في منع وحماية ضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي، مثل الاغتصاب والعنف الأسري وتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية والإتجار بالأشخاص. [143]

كشفت مقابلات هيومن رايتس ووتش مع إريتريين عن أن في ثماني حالات على الأقل بين 2009 و2012 تعاون مسؤولون سودانيون، واحد أو أكثر، مع المتجرين الذين اختطفوا إريتريين في شرق السودان ثم عرضوهم للانتهاكات الجسيمة. في تلك المرات على الأقل، كان المسؤولون السودانيون يخالفون التزامات السودان بموجب الاتفاقية.

مقابلات هيومن رايتس ووتش مع إريتريين تكشف أيضاً عن 19 حالة على الأقل بين 2009 و2012 حيث تعاون مسؤول عام مصري أو أكثر مع متجرين في نقل إريتريين إلى سيناء، حيث يتعرضون لانتهاكات جسيمة. في تلك الحالات الـ 19 على الأقل، كان المسؤولون المصريون إذن يخالفون التزامات مصر بموجب الاتفاقية.

فضلاً عن ذلك، فإن حجم الأدلة المتوفرة في النطاق العام حول تفشي الانتهاكات المرتكبة في سيناء، وكذا المعلومات التفصيلية حول مواقع المتجرين التي أدلى بها مواطنون في سيناء للسلطات المصرية، هو أمر يعني أن هناك، على حد تعبير لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب "أسانيد مقبولة" للاعتقاد "بوقوع أعمال تعذيب ومعاملة سيئة من قبل... فاعلين خاصين". إن إخفاق السلطات في "ممارسة الانتباه اللازم لمنع والتحقيق وملاحقة ومعاقبة هؤلاء الأطراف والفاعلين" يعني أن مصر "تيسر أو تمكن [المتجرين] من ارتكاب أعمال غير مسموح بها بموجب الاتفاقية [مناهضة التعذيب] مع الإفلات من العقاب"، وبالنتيجة فإن مصر "تتحمل المسؤولية ويجب اعتبار مسؤوليها مرتكبين أو متواطئين أو مسؤولين بشكل آخر بموجب الاتفاقية عن السماح أو القبول لهذه الأعمال غير المسموح بها". [144]

لا يجرم السودان أو مصر التعذيب بالشكل المتسق مع المادة 1 من الاتفاقية. المادة 115 من القانون الجنائي السوداني تجرم فقط التعذيب الذي يحدث "للتأثير على عدالة الإجراءات القضائية". [145] والمادة 126 من قانون العقوبات المصري تجرم التعذيب عندما يحدث "[لحمله [أي شخص] على الاعتراف". [146]

خطوات السودان المحدودة على مسار التحقيق

حتى مطلع ديسمبر/كانون الأول 2013 كانت السلطات السودانية قد فتحت 14 قضية لمتجرين في الإريتريين في شرق السودان ومع 4 رجال شرطة في شرق السودان على صلة بالإتجار في إريتريين. [147]

في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 أعلن حاكم ولاية كاسالا عن دعوة زيارة لسفراء الاتحاد الأوروبي لكاسالا لمساعدته في مكافحة الإتجار بالبشر في الولاية، رغم أنه لم يذكر أي نوع من المساعدة هو المطلوب، ولم يذكر الخطوات التي يتخذها مكتبه للمساعدة في منع الإتجار من خلال التحقيق مع رجال الأمن المتواطئين مع المتجرين. [148]

قبل عام 2012 لم تلاحق الشرطة السودانية شخصاً واحداً على جرائم متعلقة بالإتجار في شرق السودان. [149] وبعد زيارة في يناير/كانون الثاني 2012 إلى شرق السودان من قبل المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنطونيو جوتيريس وتغطية إعلامية صاحبت الزيارة، فإن جهاز الأمن الوطني السوداني المسؤول عن جرائم الإتجار بالبشر، قال للإعلام السوداني إنه سيقود جهود التعرف على واعتقال وملاحقة عدد من المشتبه بكونهم متجرين أمام القضاء. [150] بنهاية عام 2012 قالت السلطات السودانية للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين إنها أفرجت عن 195 ضحية إتجار أثناء مداهمات على "مواقع مختلفة في السودان" أو من خلال اعتراض سيارات تقل الضحايا. [151] ليس من الواضح كم من بين الـ 195 شخصاً كانوا إريتريين أو أين في السودان كان يتم احتجاز الضحايا.

في يونيو/حزيران 2013 أفادت وزارة الخارجية الأمريكية أنه في عام 2012 لاحق ادعاء ولاية كاسالا 12 قضية تضم بعض أشكال الإتجار وأسفرت الملاحقات عن إدانة 23 شخصاً، لكن لم يكن واضحاً إن كانت القضايا تشتمل على "إتجار بالبشر... أو جرائم أخرى ذات صلة مثل التهريب والخطف والابتزاز". [152]

في بيان صحفي للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين بتاريخ 25 يناير/كانون الثاني 2013 ذكرت أنها "تعمل مع السلطات السودانية... على تقليص خطر الاختطافات في المنطقة" وأن "حكومة السودان... نشرت قوات شرطة إضافية". كما قالت المفوضية السامية إنها "تدعم السلطات في تحسين الأمن العام بما في ذلك من خلال إنشاء وإعادة تأهيل مراكز للشرطة وتوفير مركبات ومعدات اتصال". [153]

الإخفاق المصري في التحقيق

منذ عام 2010 أصبحت الأدلة حول تفشي الإتجار والتعذيب لمواطنين من أفريقيا جنوب الصحراء في سيناء متوفرة على نطاق واسع. لكن حتى كتابة هذه السطور لم تحدث سوى ملاحقة قضائية واحدة لم تسفر عن إدانة لأي متجرين في سيناء بموجب قانون العقوبات أو قانون مكافحة الإتجار بالبشر المصريين. [154]

الإخفاق في التحقيق رغم توفر أدلة تفصيلية

يقول قياديون بدو إن الأعراف تمنع البدو من تقديم أسماء لمشتبهين جنائيين إلى سلطات الدولة، ومن الانتقاد العلني لأفراد من البدو. [155] لكن بعض البدو مع إحساسهم بالإحباط من إخفاق السلطات في وقف الانتهاكات، قدموا أسماء ومواقع المتجرين للسلطات في العريش. [156]

قال قيادي مجتمعي بدوي لـ هيومن رايتس ووتش إن إحباطه دفعه في يونيو/حزيران 2012 إلى منح الشرطة في العريش أسماء ومواقع أربعة متجرين. قال إن الشرطة أخبرته أنهم لا يمكنهم مغادرة العريش للتحقيق في جرائم تقع خارج زمام المدينة وأن عليه الحديث إلى المخابرات. عندما لجأ إليهم قيل له إن هناك "أولويات أخرى". [157]

قال الرجل نفسه إن في أغسطس/آب 2012 أعدّ نسخة مطبوعة لخريطة من "جوجل إيرث" ووضع عليها علامات بمواقع متجرين ومعذبين معروفين في المناطق القريبة من العريش ومنحها للمباحث في مديرية أمن العريش. قال إنه سأل مراراً عن متابعتهم للأمر لكن لم يصله أي رد. [158]

في عام 2012 قال مصدر من البدو لـ هيومن رايتس ووتش إنه قال لرجل شرطة في سيناء أين يعتقد أن المتجرين يحتفظون بمجموعة من المهاجرين. كان رد رجل الشرطة: "ليس بوسعنا عمل أي شيء في هذا الموضوع. المنطقة معروفة بخضوعها لجماعات جيدة التسليح. ليس بإمكان الشرطة دخولها". [159]

قال عاملون في منظمة دولية بالقاهرة يعملون في هذه القضية لـ هيومن رايتس ووتش إن في مطلع عام 2012 قدموا لمكتب التعاون الدولي بالنيابة العامة في القاهرة أسماء ومواقع متجرين في سيناء وسألوا ما الإجراء الذي ستتخذه النيابة لكن لم يبلغهم أي رد. [160]

تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى اثنين من القياديين البدو قالا إنهما حاولا إقناع بدوي بالكف عن أعمال الاختطاف والأذى. قالا لـ هيومن رايتس ووتش إن السلطات، وتشمل الشرطة والجيش، تعرف بلا شك بشأن الإتجار والأذى اللاحق بالضحايا لأن ضحايا الإتجار يمرون بالضرورة بقناة السويس التي تتمتع بتواجد شرطي مكثف، ولأن في سيناء العديد من المخبرين للحكومة الذين يعرفون من يشتري ومن يبيع ضحايا الإتجار ومن يعذبهم. [161]

في يونيو/حزيران 2012 توصلت وزارة الخارجية الأمريكية إلى أن "الحكومة لم تشجع الضحايا على المساعدة في التحقيقات ضد من أتجروا بهم" وأن السلطات "أخفقت في التحقيق والملاحقة القضائية لمسؤولين عموميين... بتهمة التواطؤ في مخالفات الإتجار". [162]

إنكار مسؤولين مصريين للإتجار والانتهاكات المتصلة به في سيناء

عندما ناقشت هيومن رايتس ووتش ما توصلت إليه من نتائج حول الانتهاكات المرتبطة بالإتجار في سيناء مع مسؤولين، كان ردهم هو الإنكار التام أو التشويش على هذا الموضوع على أفضل تقدير. قال عاملون بمنظمات دولية معنية بهذا الشأن في القاهرة لـ هيومن رايتس ووتش إنهم حصلوا على ردود مشابهة عندما ناقشوا الأمر مع السلطات. [163]

في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى مسؤول قضائي في شمال سيناء، في سيناء، وقد طلب عدم ذكر اسمه. في البداية نفى وجود أي انتهاكات:

لم يصلني محضر واحد من الشرطة إلى مكتبي ورد فيه أن هناك إتجار بالبشر في سيناء. ليست لدينا أدلة على التعذيب وطالما لم نتلق معلومات قوية، فلا يمكنني أن أقول بأن ثمة تعذيب يحدث في سيناء.
ذهبت أنا وزملائي لمراكز الشرطة نحو 10 إلى 15 مرة في زيارات روتينية لضمان معاملة الجميع داخل الأقسام بشكل جيد. لا توجد آثار تعذيب ظاهرة على المهاجرين المحتجزين هناك ولم يقل أي من زملائي إنهم رأوا آثار تعذيب عليهم قط. إذا كان يظهر عليهم الأذى كنا لنسأل، لكن لم نر حالات من هذا النوع، ولم نشهد وجود آثار واضحة على تعرضهم لانتهاكات.
الضحايا يموتون هنا في الصحراء لأن ليس لديهم ما يكفي من الطعام والمياه. نعرف بوجود جثث متحللة في الصحراء. لابد أن السبب هو تواجدهم في الصحراء لمدة طويلة وتعرضهم للجفاف.
وزارة الخارجية فقط [التي تتعامل مع المنظمات الدولية غير الحكومية] هي التي تعاملت مع 10 أو 15 حالة على صلة بجثث تم العثور عليها في سيناء. تم أخذ الجثث إلى مستشفيات وفحصها أطباء.
هناك موضوع الهجرة غير الشرعية. مثل أي دولة، على مصر أن تحمي حدودها، ولا يمكنها تحمل مسؤولية جميع من يدخلونها بصفة غير شرعية. [164]

ومع المضي قدماً في المقابلة، ولدى السؤال حول ما إذا كان قد رأى المسؤول أو أي من زملائه آثار تعذيب على إريتريين محتجزين في مراكز للشرطة في سيناء بعد هروبهم من الخاطفين أو بعد إخلاء سبيلهم من عند الخاطفين، قال:

أتفق [معك] أن الاحتجاز والتعذيب يحدثان هنا. لكن النيابة تعتمد على التقارير الطبية من الاختصاصيين، لأن من دونها لا يمكن إثبات سوى أنهم مكثوا في الصحراء مدة طويلة وعانوا من الجفاف. سألنا مهاجرين محتجزين في مراكز الشرطة عن التعذيب وأين حدث لكنهم رفضوا إخبارنا. لذا لا نعرف من الذي ارتكب هذه الجرائم. [165]

في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 تحدثت هيومن رايتس ووتش أيضاً إلى سكرتير عام محافظة شمال سيناء اللواء جابر العربي، المسؤول عن شؤون المحافظة المحلية. قال:

هذه أول مرة أسمع بفكرة الإتجار أو الخاطفين الذين يعذبون الناس في سيناء. لم أسمع أو أقرأ تقارير من هذا النوع في أي مكان. لم تذكر الشرطة يوماً أي شيء لي عن انتهاكات لمتجرين في سيناء.
لا يوجد لاجئين في سيناء ولم يعد أحد يعذب أحداً في مصر، لذا كفوا عن نشر الشائعات. الأفراد الذين يدخلون مصر وسيناء بشكل غير قانوني ونقبض عليهم، نحاكمهم في محاكم عسكرية وننقلهم إلى سفاراتهم. [166]

في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2012 تحدثت هيومن رايتس ووتش أيضاً إلى نائلة جبر، رئيسة اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الإتجار بالبشر، وهي اللجنة المشكلة بموجب تشريع مكافحة الإتجار المصري، وقد أقرت بأن السلطات لم تتخذ إجراءات حتى تاريخه للتصدي لانتهاكات المتجرين في سيناء:

لا أعرف بأي تحقيق رسمي من النيابة في انتهاكات في سيناء. طلبت وزارة الداخلية منّي معلومات، لكن لكي أتمكن من فعل شيء لمكافحة الإتجار في سيناء فأنا أحتاج إلى معلومات تفصيلية حول ما يحدث في سيناء.
أرسلت إلى النيابة العامة قبل عام معلومات بناء على تقارير وموضوعات من الجرائد. قال لي مكتب النائب العام ووزارة الخارجية إنهما يحققان في الموضوع وأن أغلب المعلومات كاذبة. تقول النيابة العامة إن وفيات المهاجرين في سيناء سببها التعرض للجفاف في الصحراء. [167]

قبل عامين، في 2010، قامت هيومن رايتس ووتش بتنبيه وزارة الخارجية إلى قضية مجموعة من 105 أشخاص من طالبي اللجوء الإريتريين والمهاجرين. قام مسؤول هناك بإنكار مصداقية المعلومات وسأل عن الأسماء وتفاصيل شخصية أخرى تخص الأشخاص الـ 105. [168] فيما بعد أخبر مدير لمنظمة معنية بحقوق الإنسان في القاهرة هيومن رايتس ووتش بأن وزارة الخارجية أرسلت المعلومات إلى وزارة الداخلية، التي ردت بالقول بأنها تعرف بالمشكلة لكن ليس لديها القدرات للتدخل والتعامل مع مجموعات إجرامية في سيناء. [169]

قال دبلوماسيون بارزون في القاهرة لـ هيومن رايتس ووتش إن على امتداد عامي 2011 و2012 رفضت وزارتا الدفاع والداخلية أن تناقش معهم مسألة الانتهاكات في سيناء. [170]

الإقرار الجزئي بانتهاكات المتجرين من قبل لجنة مكافحة الإتجار

حتى سبتمبر/أيلول 2012 فإن نائلة جبر، رئيسة اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الإتجار بالبشر المنشأة بموجب تشريع مكافحة الإتجار بالبشر المصري، قد قالت لمنظمات دولية تعمل في مصر إنهم حتى يعطونها أسماء ناجين إريتريين من التعذيب في القاهرة، فإن عليها الافتراض بأن تقارير الانتهاكات في سيناء هي محض شائعات ودعاية سيئة. [171]

في سبتمبر/أيلول 2012 نشرت لجنة مكافحة الإتجار ملخصاً من خمس صفحات لـ "التقرير الدوري الخامس" الذي تم التخطيط له لكن لم يُنشر قط، وورد في الملخص:

نظراً لتزايد عمليات الهجرة غير الشرعية من الأفارقة من دول الجنوب الإفريقي وما تناولته وسائل الإعلام الأجنبية والمحلية حول تلك العمليات قامت... الجنة الوطنية بإعداد ملصقات توعية... ليتم تقديمها للدول الإفريقية المصدرة للمهاجرين... وكذلك توزيعها على مخيمات اللاجئين... وذلك لرفع وعى المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين (المتسللين) بجريمة الاتجار بالبشر وخطورتها ومؤشرات تعرضهم لتلك الجريمة فى كافة أشكالها من عمل قسري، استغلال قسري وابتزاز مالي .
يبقى تحدى خطير أفردت له أجهزة الإعلام الداخلية والدولية والتقارير الدولية مساحة واسعة وهى مشاكل المتسللين الأفارقة عبر سيناء متوجهين إلى إسرائيل والتي تقوم عصابات الإتجار في البشر باستغلالهم بأبشع الصور... وقد تنبهت اللجنة الوطنية إلى هذا الخطر وتأثيره على أمن وسلامة المهاجرين الأفارقة وعلى صورة مصر في العالم الخارجي... حيث حاول البعض تصوير الأمر باعتباره انعكاساً لانعدام السيطرة المصرية على سيناء وكلنا أمل في أن يؤدى العمل المتواصل للقوات المسلحة في سيناء... إلى القضاء على البؤر الإجرامية في شبه جزيرة سيناء . [172]

في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 قالت السفيرة جبر لـ هيومن رايتس ووتش إن "الفراغ الأمني يعني أن سيناء مكان مناسب للمتجرين. يطلب المتجرون النقود ويسيئون إلى الإريتريين. هذا الموضوع يؤثر سلباً على صورة مصر وعلى مصداقية الدولة". [173]

رغم هذه التعليقات التي تشير إلى الوعي بوجود مشكلات، ففي يناير/كانون الثاني 2013 أصدرت لجنة مكافحة الإتجار خطتها الوطنية للفترة 2013 – 2016 وفيها لم تشر اللجنة إلى الوضع في سيناء وتحدثت فقط بشكل عام عن "المتسللين الأفارقة غير الشرعيين". [174]

وإلى تاريخه، حدثت ملاحقة قضائية واحدة في القاهرة على صلة بانتهاكات في سيناء. في أبريل/نيسان 2013 اتهم النائب العام في القاهرة مشتبهاً يعيش بالقاهرة في جرائم على صلة بالإتجار بالبشر في سيناء. حتى كتابة هذه السطور كانت تحريات الشرطة ما زالت قائمة. [175]

المردود المحتمل للعمليات العسكرية المصرية في سيناء أواخر عام 2013

في يوليو/تموز 2013 بدأ الجيش المصري حملة جديدة ضد المتطرفين الإسلاميين في شمال سيناء، وقد توسعت الحملة في سبتمبر/أيلول. [176] ذكر الإعلام الدولي أنه أثناء العمليات قام الجيش بتدمير ممتلكات تخص متجرين بالبشر كانوا يستخدمونها في احتجاز ضحاياهم. [177]

تحدثت هيومن رايتس ووتش في ديسمبر/كانون الأول إلى ناشطة على اتصال منتظم بالهاتف بإريتريين في سيناء. قالت إن الإريتريين أخبروها بأن الجيش قد داهم عدة منازل تخص متجرين يحتجز المتجرون بها إريتريين طلباً للفدية، وأن السلطات أخذت نحو 140 إريترياً إلى السجن رغم أنهم لم يتمكنوا من تحديد أي سجن. [178] تلقت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تقارير غير مؤكدة مماثلة بأن إريتريين قد نُقلوا إلى سجن القناطر القريب من القاهرة في أواخر 2013. [179]

السياق العام لسيناء

منذ عام 2010 اعتبرت السلطات المصرية أن بعض مناطق شبه جزيرة سيناء – لا سيما تلك المتاخمة مباشرة لمناطق حدودية مع إسرائيل – "مناطق عسكرية". [180]

إن اتفاقية كامب ديفيد لسنة 1978 تضع حدوداً على أعداد رجال الشرطة والجيش وأنواع الأسلحة المسموح للسلطات المصرية بنشرها في سيناء. هذه الحدود وُضعَت لتهيئة منطقة عازلة أمنية منزوعة السلاح على الحدود مع إسرائيل، لكنها أسهمت في إحداث فراغ أمني في سيناء. [181]

هناك جماعات إجرامية مسلحة عديدة في سيناء متورطة في إنتاج وتجارة مخدّر القنّب، وتهريب الأسلحة وسلع أخرى مهربة، والإتجار بالبشر. [182] حتى عام 2013 أظهرت السلطات المصرية قابلية أو قدرة قليلة على التعرف على أعضاء هذه الجماعات والقبض عليهم. [183] في عام 2013 قاضت السلطات بعض الأفراد الذين هربوا سلعاً إلى غزة. [184]

توترت علاقات سكان سيناء البالغ عددهم نصف مليون نسمة وهم بالأساس من السكان الأصليين البدو، مع الشرطة، نتيجة لعقود من التجاهل والتمييز والانتهاكات ضد البدو من قِبل الحكومة المركزية وقوات الأمن. [185] وثقت هيومن رايتس ووتش كيف ردت الشرطة في 2005 على تفجيرات لمناطق سياحية في سيناء باعتقال ما يناهز ثلاثة آلاف بدوي، منهم مئات الأشخاص الذين احتجزوا لمجرد الضغط لتسليم أقارب مطلوبين، وأخفت وعذبت العديد غيرهم. [186] في بعض الحالات انتقم البدو من الشرطة على التحقيق والملاحقة القضائية لأشخاص من قبائلهم. [187]

أدت الهجمات المتكررة منذ عام 2011 على الشرطة من قبل المتطرفين المسلحين، إلى مطالبة الشرطة في سيناء علناً بأسلحة وذخائر جديدة، في مارس/آذار 2013، ونددت بما وصفته بظروف العمل "اللاإنسانية والمهينة". [188]

في 18 أغسطس/آب 2011 منحت إسرائيل لمصر الإذن بنشر 2500 جندي إضافي و250 ناقلة جند مدرعة في مواقع بعينها في سيناء لمكافحة الجماعات المسلحة بناء على تفاهم بأن مصر ستسحبهم إذا طلبت إسرائيل. [189] وفي أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول 2012 نشرت مصر قوات إضافية وناقلات جند مدرعة في شتى أنحاء شمال سيناء، بما في ذلك قرب الحدود مع إسرائيل، دون السعي للحصول على إذن إسرائيلي، طبقاً لتقارير إعلامية إسرائيلية. [190] وفي أواسط يوليو/تموز 2012 صدقت إسرائيل لمصر على نشر قوات إضافية في العريش وفي شرم الشيخ. [191]

منذ عزل الجيش المصري لمحمد مرسي في 3 يوليو/تموز 2013 زادت بمعدلات كبيرة الهجمات على الشرطة والجيش والمباني الشرطية والعسكرية في شمال سيناء، ما أسفر عن مقتل 103 على الأقل من رجال الأمن حتى أواسط نوفمبر/تشرين الثاني 2013. [192]

ومنذ يوليو/تموز 2013 قبض الجيش على مشتبهين بكونهم متطرفين مسلحين، وهدم منازل قريبة من الحدود مع غزة ومع إسرائيل، وتبادل إطلاق النار مع جماعات مسلحة، بما في ذلك باستخدام مروحيات أباتشي. [193] أعلنت بعض الجماعات المسلحة في سيناء المسؤولية عن إعدام 25 مجنداً تم أسرهم في 19 أغسطس/آب، وبمحاولة اغتيال ضد وزير الداخلية محمد إبراهيم في القاهرة يوم 5 سبتمبر/أيلول، وهجوم على مقر المخابرات العسكرية بشمال سيناء في 11 سبتمبر/أيلول. [194]

V . مصير ضحايا الإتجار الهاربين والمفرج عنهم

حتى منتصف عام 2012 كان يُتاح للإريتريين والأشخاص الآخرين الهاربين من المتجرين أو من أفرج عنهم المتجرون، كان يُتاح لهم فرصة جيدة لعبور الحدود إلى إسرائيل، وقد عبروا في عام 2011 ومطلع 2012 بمعدل 1500 إلى 2000 كل شهر. [195] لكن بحلول يونيو/حزيران 2012 كانت إسرائيل قد كادت تنتهي من إنشاءات الجدار الحدودي الممتد مسافة 240 كيلومتراً مع مصر، فانحسرت الأعداد، وبعد ذلك لم يتمكن من العبور شهرياً على مدار باقي العام سوى مائة إلى مائتين. [196] بحلول منتصف عام 2013 لم يكن عدد العابرين كل شهر يزيد عن 10 أشخاص. [197]

بين عامي 2007 و2012 اعترضت قوات الأمن المصرية المئات – وربما الآلاف – ممن اقتربوا من الحدود مع إسرائيل. تم إطلاق النار على بعضهم وتم ضرب البعض، ومن تم القبض عليهم تعرضوا للاحتجاز لشهور في مراكز احتجاز مكتظة بالنزلاء وفي ظروف شاقة في مراكز شرطة سيناء، وأحياناً بعد الإدانة أمام محاكم عسكرية بتهم الهجرة غير الشرعية، ودون الحصول على الرعاية الطبية أو إتاحة مقابلة مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين. أغلب – إن لم يكن كل – المحتجزين الإريتريين وافقوا على نقلهم إلى أثيوبيا.

هناك أعداد أقل بكثير، بالمئات، وجدوا طريقهم إلى البدو الذين اتصلوا بالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين وساعدوا في تنظيم نقلهم إلى القاهرة.

منذ نفاذ قانون مكافحة الإتجار بالبشر المصري في عام 2010، فهو يمنح كل شخص يُعترف به كضحية للإتجار جملة من الحقوق، منها الحصول على الرعاية الطبية، والتمثيل القانوني، والحصانة من الاتهامات الجنائية، ومنها الجرائم المتعلقة بالهجرة غير الشرعية. لكن على مدار السنوات الثلاث الماضية حرمت السلطات المصرية الآلاف من ضحايا الإتجار من هذه الحقوق، واحتجزتهم في أوضاع لاإنسانية، وقاضتهم بتهم الهجرة غير الشرعية، وأكرهتهم على دفع رسوم ترحيلهم إلى أثيوبيا.

إطلاق قوات الأمن المصرية النار على الحدود

سبق أن غطت هيومن رايتس ووتش قيام قوات الأمن المصرية بإطلاق النار على مواطنين من أفريقيا جنوب الصحراء وهم في طريقهم إلى الحدود مع إسرائيل في سيناء. بين يوليو/تموز 2007 وسبتمبر/أيلول 2010، أطلقت قوات حرس الحدود المصرية النار على أفراد ما أسفر عن مقتل 85 شخصاً على الأقل، في الشهور الثمانية الأولى من 2010 ألحقت إصابات بـ 28 آخرين على الأقل. [198]

بناء على 1300 مقابلة أجريت مع مهاجرين دخلوا إسرائيل مروراً بسيناء بين نوفمبر/تشرين الثاني 2010 ومايو/أيار 2012، أفادت أطباء لأجل حقوق الإنسان-إسرائيل، بأن 29 في المائة منهم قالوا إنهم تعرضوا لإطلاق النار عليهم أو شهدوا على إطلاق النار على آخرين وهم يحاولون عبور الحدود إلى إسرائيل. [199]

في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 وصف ثمانية إريتريين لـ هيومن رايتس ووتش كيف تعرضوا لإطلاق النار عليهم مع اقترابهم من الحدود الإسرائيلية أو عبورهم إياها في 2011 و2012. قال ثلاثة منهم إنهم رأوا رجالاً في ثياب رسمية يطلقون الرصاص، وقال آخرون إنهم سمعوا فقط الأعيرة النارية ولم يروا من يطلق النار. [200]

وصف رجل إريتري يبلغ من العمر 37 عاماً ما حدث عندما عبر الحدود مع إسرائيل في يوليو/تموز 2011:

كنّا نحو 30 شخصاً نحاول العبور في الليل. مع اقترابنا من السياج الحدودي سمعنا طلقات نارية فجأة. تفرقنا إلى مختلف الاتجاهات، وتمكنت من العبور والاختباء على الجانب الآخر. بعد وهلة، رأيت 11 آخرين قد عبروا وتجمعنا. قال أربعة منهم إن الجنود المصريون أمسكوا بالبقية، ومعهم مجموعة أخرى. قالوا إن إريترياً قد مات أمامهم لأنه تعرض لرصاصة في الصدر وأن الجنود بعد ذلك ضربوهم بكعوب البنادق. قالوا إن أحد الجنود صاح: "إنهم مسيحيون، لنقتلهم". لكن أمرهم ضابط بالتوقف وسمح لأربعة آخرين بالعبور إلى إسرائيل لأن إصاباتهم كانت خطيرة. [201]

في يونيو/حزيران 2013 قالت وزارة الخارجية الأمريكية، "تستمر تقارير في الظهور بشكل غير متواتر عن قيام دوريات حدودية مصرية بإطلاق النار وقتل المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء وضحايا الإتجار أحياناً، مع محاولتهم العبور من الحدود مع إسرائيل". [202]

الاحتجاز التعسفي في مراكز الشرطة في سيناء

وصف إريتريون تم اعتراضهم في سيناء – ومنهم ضحايا إتجار – مرة تلو المرة كيف تعرضوا للاحتجاز في ظروف لاإنسانية ومهينة بمراكز الشرطة في سيناء، وأحياناً بعد مواجهة ملاحقات قضائية، بشكل غير قانوني، في محاكم عسكرية، إلى أن يتمكنوا من جمع النقود اللازمة لشراء تذكرة طيران إلى أثيوبيا. كما منعتهم السلطات بشكل غير قانوني من الحصول على ما يكفيهم من الرعاية الطبية، ومنعت وصول المنظمات الإنسانية الراغبة في توفير المساعدات لهم، ومن وصول مفوضية شؤون اللاجئين إليهم. يبدو أنه ليس هناك سند قانوني لعمليات الاحتجاز تلك، وهو ما يجعلها تعسفية.

قرار الاحتجاز

تأخذ قوات الأمن المصرية الإريتريين الذين يتم اعتراضهم إلى مراكز شرطة النخيل ودهب ورفح في سيناء، للفحص الطبي، قبل احتجازهم أو نقلهم إلى واحد من 11 مركزاً للشرطة في سيناء أو بورسعيد أو الإسماعيلية خارج سيناء. [203]

تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى شخص كان محتجز في أكتوبر/تشرين الأول 2013 في سجن الجلاء شمالي سيناء، قال إنه قابل 140 إريترياً في السجن، أغلبهم على أجسادهم "آثار تعذيب مروعة". [204]

وفي خرق لاتفاق مصر مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين حول تحديد وضع اللاجئين داخل الدولة، لم تسمح السلطات للمفوضية بدخول سيناء لزيارة المحتجزين في مراكز الشرطة للتعرف على طالبي اللجوء واللاجئين منهم، وأتيح لمؤسسات أخرى وأفراد آخرين زيارات متفرقة، عادة بشكل غير رسمي. من ثم لا تتوفر إحصاءات عن عدد الإريتريين والمواطنين الآخرين من أفريقيا جنوب الصحراء المحتجزين في مراكز شرطة وسجون سيناء في أي وقت، لكن على امتداد عامي 2011 و2012 يُرجح أن يكون العدد بالمئات. [205]

يقول الأفراد القادرون على دخول مراكز شرطة سيناء بشكل متفرق غير منتظم إن المحتجزين هناك يتواجدون بالمراكز لشهور، وأحياناً لأكثر من عام، دون اتهام أو محاكمة، إلى أن يتم الإفراج عنهم وترحيلهم إلى أثيوبيا. [206] في بعض الحالات يتم أخذهم بعد أيام يقضونها في مراكز الشرطة إلى النيابة العسكرية في سيناء بالعريش، لكن يعادون مرة أخرى إلى مراكز الشرطة نفسها. [207] في جميع تلك الحالات (حيث لم يؤخذ المحتجزين إلى المحكمة)، لا تعرف هيومن رايتس ووتش بالسند القانوني لاحتجاز السلطات إياهم. يعد الاحتجاز تعسفياً في غياب سند قانوني يبرر احتجازهم بما يتفق مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، والذي يتطلب أن يكون الاحتجاز لغرض معلن بوضوح ومذكور في القوانين الوطنية وأن يمثل المحتجزون سريعاً أمام قضاة.

في حالات أخرى، أمر الادعاء العسكري بإحالة المحتجزين إلى محكمة من محكمتين عسكريتين قرب سيناء، في الإسماعلية والسويس، حيث اتهمتهم السلطات بالهجرة غير الشرعية وتلقوا أحكاماً بالسجن. [208] قال محامون في القاهرة لـ هيومن رايتس ووتش إن حتى أواسط 2012 كان بعضهم قد أمضوا عقوبات في سجون مثل سجن القناطر شمالي القاهرة. [209]

قال بعض المحتجزين في أواخر 2012 إنهم نُقلوا إلى المحكمة العسكرية في الإسماعيلية، ومنها أعيدوا إلى أحد مراكز شرطة سيناء. لم يعرفوا ما إذا كانوا قد أدينوا بأي جرائم وإن كان قد أنزلت بهم عقوبات بالحبس. [210]

بموجب القانون المصري فإن نظام العدالة العسكري له ولاية على المهاجرين المقبوض عليهم للدخول غير الشرعي إلى مصر، من مناطق غير المعابر الحدودية، أو لدخول شبه جزيرة سيناء (وهي "منطقة عسكرية") دون تصريح، أو لمحاولة عبور الحدود إلى إسرائيل. [211]

إن محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية – بمن فيهم المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين المحتجزين في مخالفة للقوانين بسبب طريقة دخولهم مصر أو محاولتهم عبور الحدود الإسرائيلية – يخالف التزامات مصر الدولية المتعلقة بكفالة إجراءات التقاضي السليمة والمحاكمة العادلة. [212]

إن المادة 21 من قانون مكافحة الإتجار بالبشر المصري نصت على حصانة جنائية لضحايا الإتجار بالبشر، ما يعني أنه لا يمكن اتهامهم بجرائم على صلة بالهجرة غير الشرعية. [213] وفي عام 2013 رأت الخارجية الأمريكية أنه في عام 2012: "تعرض ضحايا الإتجار، ومنهم ... مهاجرين أجانب للانتهاكات في سيناء... حيث عوملوا في أحيان كثيرة كمجرمين وليس كضحايا، وتمت محاكمة بعضهم بناء على... اتهامات متعلقة بالهجرة غير الشرعية". [214]

عدم إتاحة مقابلة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أو إجراءات اللجوء للمحتجزين

بموجب مذكرة تفاهم تعود لعام 1954 فإن مصر تسمح للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالاضطلاع بتحديد وضع اللاجئ لجميع الأفراد في مصر. هذا الاتفاق يعني أن على المسؤولين المصريين أن يتيحوا للمفوضية السامية كامل الاطلاع على جميع المحتجزين من الأجانب الذين لا يمكنهم الوصول إلى مقر المفوضية السامية في القاهرة، لضمان قدرة المفوضية على تحديد ومقابلة من يريدون تقديم طلبات لجوء. [215]

طبقاً لمفوضية اللاجئين، فإن الحكومة المصرية رفضت على طول الخط وصول المفوضية إلى الإريتريين والمواطنين من أفريقيا جنوب الصحراء الآخرين الذين يتم اعتراضهم واحتجازهم بأي مكان في مصر، بما في ذلك في سيناء. تقول المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أيضاً إن المسؤولين المصريين تكرر تأكيدهم أن المواطنين الأفارقة من جنوب الصحراء الذين يتم اعتراضهم في سيناء هم مهاجرون اقتصاديون فقط وأن ليس على مصر من ثم التزام بالسماح للمفوضية بزيارتهم في الحبس. [216]

في الواقع، في عام 2012 كان 90 في المائة من طالبي اللجوء الإريتريين في العالم إما معترف بهم كلاجئين أو حاصلين على بعض أشكال الحماية، وهو ما يعكس تفشي انتهاكات حقوق الإنسان والاضطهاد في إريتريا. [217]

طبقاً لمفوضية اللاجئين فإن السلطات المصرية أخبرتها بأن الإريتريين والآخرين من أفريقيا جنوب الصحراء الجاري اعتراضهم في سيناء كان بإمكانهم تقديم طلبات لجوء في القاهرة قبل بلوغ سيناء، ما يعكس كونهم ليسوا طالبي لجوء. [218] في هذا تجاهل لحقيقة أنه بين 2011 و2013 تم اختطاف العديد من الإريتريين وآخرين من أفريقيا جنوب الصحراء ثم نقلهم قسراً إلى سيناء، دون أن يتاح لهم فرصة لطلب اللجوء في مصر قبل وصولهم إلى سيناء. لا القانون المصري أو الدولي يُلزمان طالبي اللجوء بتقديم طلبات اللجوء في أول مكان يبلغونه.

مقاضاة مصر واحتجازها لإريتريين مختطفين من السودان في سيناء، تم جلبهم إلى مصر رغم إرادتهم، ينطوي على خرق لالتزامات مصر بموجب اتفاقية اللاجئين لعام 1951، التي لا تسمح بتجريم اللاجئين بتهم الدخول غير المشروع إلى البلاد أو احتجاز اللاجئين إلا لفترات قصيرة لتنظيم وضعهم. [219]

ينص قانون الهجرة المصري على أن أي شخص يتواجد بصفة غير قانونية في مصر في خرق للقانون قد يحكم عليه بالحبس ستة أشهر أو يُغرّم 200 جنيه مصري (30 دولاراً) أو كليهما. يقول القانون إنه إذا حاول شخص دخول أو مغادرة مناطق حدودية تنظمها قرارات لوزارة الداخلية بالاتفاق مع وزارة الخارجية، فقد يُحبس لمدة لا تقل عن سنتين ويُغرم بين 1000 (145 دولاراً) و1550 جنيهاً (225 دولاراً). أخيراً، يقول القانون إن جميع هؤلاء الأشخاص قد يخضعون للترحيل. [220] لكن ورد في القانون أيضاً أنه لا ينطبق على أي شخص مُعفى بموجب اتفاقات دولية تكون جمهورية مصر العربية طرفاً فيها. [221]

المعفيون منهم اللاجئين، وبطبيعة الحال طالبي اللجوء، الذين تحميهم اتفاقية اللاجئين لعام 1951، التي تنص على ألا تفرض مصر عقوبات على اللاجئين – من واقع دخولهم غير القانوني أو تواجدهم غير المشروع - الوافدين مباشرة إليها من مناطق تكون حياتهم أو حريتهم فيها مهددة بحسب تعريف المادة 1، أو لدخولهم الأراضي المصرية أو وجودهم فيها دون تصريح، شريطة أن يعرضوا أنفسهم دون تأخير على سلطات الدولة ويظهروا أسباب دخولهم أو تواجدهم غير القانوني. [222]

بحلول عام 2013 أصبحت هناك أدلة متزايدة على أن الآلاف من الإريتريين في سيناء بين عامي 2011 و2013 قد تعرضوا للاختطاف والانتهاكات في سيناء ثم نقلوا إلى مصر ضد إرادتهم. من ثم فإن على مصر اعتبار أن الإريتريين قد سافروا إلى مصر مباشرة من مكان تعد حياتهم أو حريتهم فيه مهددة، وألا تعاملهم من ثم كأشخاص سافروا من إريتريا إلى مصر – عبر السودان – بشكل غير مباشر.

إن عدم السماح للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين بدخول مراكز الشرطة في سيناء للتعرف على الإريتريين والمواطنين الآخرين لدول أخرى المختطفين في السودان والمنقولين إلى مصر ضد إرادتهم ويرغبون في طلب اللجوء، يعني أن مصر تخرق بشكل ممنهج حقهم في الإعفاء من تطبيق أحكام قوانين الهجرة على وجودهم أو دخولهم غير القانوني إلى مصر.

ومع حرمان المستحقين لطلب اللجوء من فرصة تقديم طلبات اللجوء، ومن ثم الإقرار بوضعهم القانوني كطالبي لجوء، فإن مصر هكذا تخرق حقهم في عدم الاحتجاز لغير الضرورة من أجل تنظيم وضعهم، بما في ذلك التيقن من هويتهم وأسانيد طلبهم للجوء. تدعو الأدلة الإرشادية لمفوضية اللاجئين الدول إلى الامتناع عن احتجاز طالبي اللجوء إلا كحل أخير لا بديل عنه. [223]

أوضاع الاحتجاز والافتقار للرعاية الطبية وأوجه المساعدة الأخرى

إن مراكز الشرطة المصرية – ومنها تلك الموجودة في سيناء – مصممة لاحتجاز عدد قليل من الأفراد لساعات أو على الأكثر ليومين أو ثلاثة أيام، وهي ليست مصممة للاحتجاز طويل الأجل لعشرات الأشخاص. وزنازين مراكز الشرطة في سيناء صغيرة، في المتوسط مساحة كل منها ثلاثة إلى أربعة أمتار مربعة. [224] ليس لدى مراكز الشرطة ميزانية للطعام والرعاية الصحية لمجموعات كبيرة من المحتجزين لأسابيع وشهور.

لكن هناك أفراد زاروا مئات المحتجزين في عشرات المناسبات بين 2010 و2012 قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إنهم رأوا زنازين صغيرة بها ما يتراوح بين 10 إلى 40 شخصاً في أي وقت، وقالوا إنهم محتجزون منذ شهور، وأحياناً لفترة تناهز 18 شهراً. [225] كما نذكر أدناه، فإن الإريتريين يحتجزون حتى يجمعون الأموال اللازمة لتسديد ثمن تذكرة الطيران من القاهرة إلى أديس أبابا.

في عام 2008 كتبت هيومن رايتس ووتش عن نقص الرعاية الطبية للمهاجرين المحتجزين ومن هم في عداد طالبي اللجوء في مراكز الشرطة في سيناء. [226] وفي الآونة الأخيرة نجى إريتريون ومحتجزون آخرون في مراكز للشرطة من أشكال قاسية من العنف على يد المتجرين، وكانت آثار تعذيب المتجرين لهم واضحة. لكن طبقاً لأفراد يعاونون المحتجزين، فهم يحرمون بشكل متكرر من الحصول على الرعاية الطبية.

هناك سيدة على اطلاع بشكل غير منتظم على المحتجزين، وصفت لـ هيومن رايتس ووتش الإصابات المروعة التي رأتها على ضحايا الإتجار. قالت إن بعض المحتجزين المصابين إصابات جسيمة أخبروها إنهم عندما طلبوا من الشرطة نقلهم إلى المستشفى، رفضت الشرطة. قالوا لها بعضهم أيضاً إنهم رأوا محتجزين يموتون نتيجة لإصاباتهم مع عدم تلقيهم للرعاية الطبية. [227]

قالت نائلة جبر، رئيسة اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الإتجار بالبشر، لـ هيومن رايتس ووتش إن في عام 2012 ناقشت مع زملائها خططاً لـ "تحديث" منشآت الاحتجاز في سيناء. [228]

ومنذ عام 2006 عندما بدأت السلطات المصرية للمرة الأولى احتجاز الإريتريين وغيرهم من مواطني دول أفريقيا جنوب الصحراء العابرين من سيناء لبلوغ إسرائيل، منعت السلطات عنهم بشكل شبه كامل الحصول على المساعدات الإنسانية. هناك أفراد وبعض العاملين بمنظمات المجتمع المدني تمكنوا من التفاوض على الوصول بشكل متفرق إلى بعض مراكز الشرطة، وهناك منظمة دولية أتيح لها بشكل غير منتظم دخول مراكز للشرطة منذ عام 2011 من أجل توفير الثياب والطعام للمحتجزين. في عامي 2011 و2012 انقطعت هذه الزيارات المحدودة لأسابيع، بعد أن غطى الإعلام الدولي في عام 2011 و2012 مصير الإريتريين في سيناء. [229]

وفي عام 2013 قالت وزارة الخارجية الأمريكية أنه "بينما... أقر مسؤولون بأن بعض المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء الذين تعرضوا لانتهاكات في سيناء كانوا من ضحايا الإتجار بالبشر، فإن [المسؤولين] اعتبروا إلى حد بعيد هذه الفئة المستضعفة من المهاجرين غير الشرعيين، ولم تبذل السلطات محاولات تذكر للتعرف استباقاً على ضحايا الإتجار من بين هذه المجموعة أو لإمدادهم بخدمات الحماية الملائمة". [230]

إن احتجاز أعداد كبيرة من الأفراد لشهور في زنازين شرطية صغيرة، دون إتاحة ما يكفي من مساعدات ومنها الرعاية الطبية، ينطوي على خرق لالتزامات مصر بعدم تعريض أحد لمعاملة لاإنسانية أو مهينة. [231] كما أن هذا الأمر ينطوي على خرق لالتزامات مصر بموجب مبادئ الأمم المتحدة الدنيا لمعاملة السجناء، الذين يحتاجون من بين أمور أخرى، لتواجد أعداد محدودة في حجرات الحجز، والمفترض ألا يزيد العدد عادة عن شخصين، مع توفر تسهيلات ملائمة للنوم ومرافق كافية للصرف الصحي والنظافة الشخصية، وثياب وأسرة للنوم وطعام ملائم والحصول على الخدمات الطبية. [232]

إن إخفاق السلطات المصرية في مساعدة أو السماح بمساعدة ضحايا الإتجار في سيناء يخرق أيضاً القانون المصري. بموجب المادة 2 من قانون مكافحة الإتجار بالبشر، فإن أي شخص يتم التعرف فيه على ضحية إتجار تُكفل له الحقوق الموضحة في المواد 12 إلى 26 من القانون والتي تلزم الدولة بكفالة "الظروف المناسبة لمساعدته ورعايته صحياً ونفسياً وتعليمياً واجتماعياً وإعادة تأهيله ودمجه في المجتمع... وكذلك عودته إلى وطنه على نحو سريع وآمن" وكذلك المأوى والتعليم وحقوق التمثيل القانوني وسلامة الإجراءات القانونية أثناء أية تحقيقات في جرائم الإتجار التي تؤثر عليه. [233]

نقل الإريتريين إلى أثيوبيا

منذ عام 2011 قالت السلطات المصرية بشكل متكرر لضحايا الإتجار الإريتريين المحتجزين في سيناء إنهم لا يمكنهم المغادرة إلا بعد جمع النقود الكافية – بمساعدة الأصدقاء والأقارب الذين يحولون النقود إلى السفارة الأثيوبية – من أجل تسديد ثمن تذكرة طائرة من القاهرة إلى أديس أبابا. [234] يقول عاملون بمنظمة مجتمع مدني يعاونون اللاجئين في القاهرة إنهم يعلمون بعشر حالات تقريباً استغرق فيها اللاجئون حتى 18 شهراً لجمع النقود الكافية، وفعل بعضهم ذلك بمساعدة كنائس أثيوبية في القاهرة. [235] ما إن يجمع المحتجز ما يكفي من نقود لتذكرة طائرته، يتصل المسؤولون المصريون بالمسؤولين في السفارة الأثيوبية بالقاهرة، الذين يسافرون إلى سيناء لالتقاط صور للشخص ويصدرون له وثائق السفر. [236]

مساعدات المجتمع المحلي لضحايا الإتجار ونقلهم إلى القاهرة

في مطلع عام 2012 بدأ قيادي مجتمعي بدوي، هو الشيخ محمد، ويعيش في المهدية على مسافة 30 كيلومتراً تقريباً من العريش، بدأ في استخدام بيته في منح ضحايا الإتجار الهاربين أو المفرج عنهم رعاية أوّلية، من قبيل توفير الطعام والدواء والمأوى. قال الشيخ محمد لـ هيومن رايتس ووتش إن البعض قد ماتوا في بيته نتيجة للتعذيب الذي لحق بهم فيما كانوا محتجزين طرف المتجرين. [237]

منذ مارس/آذار 2012 عمل زملاء الشيخ محمد ومنظمات في القاهرة معاً من أجل مساعدة ضحايا الإتجار على السفر من سيناء إلى القاهرة. بين مارس/آذار 2012 و5 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، قال الشيخ محمد إنه نقل 98 شخصاً إلى القاهرة بتلك الطريقة. [238]

طبقاً لمفوضية شؤون اللاجئين فإنه حتى أواسط 2013 سجلوا نحو 250 ضحية إتجار نقلوا إليهم من سيناء، و40 منهم قصر غير مصحوبين ببالغين. [239] قابلت المفوضية السامية جميع المنقولين في 2012 وقالت إن "العديد" منهم تعرضوا إلى "تعذيب شديد". [240] كذلك تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى ستة من طالبي اللجوء الإريتريين في القاهرة، وصفوا تفصيلاً كيف نُقلوا من بيت الشيخ محمد إلى القاهرة. [241]

وفي أواسط نوفمبر/تشرين الثاني 2013، على حد قول الشيخ محمد، كان يأوي 15 إريترياً هربوا أو أفرج عنهم المتجرون، لكن لم يتمكن من تنظيم نقلهم للقاهرة بسبب انعدام الأمان في سيناء وقتها. [242]

عدم قدرة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين على الوصول للمحتجزين خارج سيناء

تقوم السلطات المصرية أيضاً بتوقيف واحتجاز ومقاضاة الإريتريين وأجانب من جنسيات أخرى يتم اعتراضهم في مناطق أخرى من مصر على خلفية تهم متعلقة بالهجرة غير الشرعية ويتم احتجازهم قبل وبعد المحاكمة في سجون ومراكز احتجاز في شتى أنحاء البلاد، بما في ذلك في القناطر قرب القاهرة، وفي أسوان وفي كوم أمبو قرب مدينة أسوان، وفي النخيل في وسط سيناء، وفي الغردقة على ساحل البحر الأحمر. [243] كذلك تحتجزهم السلطات في معسكر الأمن المركزي التابع لوزارة الداخلية في أسوان، بمنطقة الشلال. في عام 2012 كان هناك بين 100 و300 محتجز على صلة باتهامات هجرة غير شرعية في الشلال، في أي وقت من الأوقات. [244]

في يناير/كانون الثاني 2012 نقلت السلطات نحو 55 شخصاً من ضحايا الإتجار المحتجزين في سيناء إلى سجن القناطر، بعد هجمات من جناة مجهولين على مراكز للشرطة. كذلك رحلت عدداً كبيراً من سيناء إلى القناطر في صيف 2012 بسبب الازدحام في مراكز الشرطة وبسبب "اعتبارات أمنية" في مراكز شرطة سيناء وفي سيناء عموماً. [245]

وفي السنوات الأخيرة، بذلت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين جهوداً مضنية للوصول إلى المحتجزين من أجل تحديد طالبي اللجوء من بينهم. في عام 2008 رحلت مصر 1400 إريتري محتجزين في سجن القناطر دون إتاحة وصول المفوضية السامية إليهم. [246] وحتى أواخر 2012، قالت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إن قدرتها محدودة – أو لا قدرة لها بالمرة – على الوصول إلى أغلب المحتجزين من المهاجرين. [247]

شكر وتنويه

أجرى بحوث هذا التقرير وكتبه جيري سمسون، باحث أول في برنامج اللاجئين ومناصر لحقوق اللاجئين في هيومن رايتس ووتش. حرر التقرير جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط، وهبه مرايف، باحثة مصر بقسم الشرق الأوسط، وجيهان هنري، باحثة أولى في قسم أفريقيا، وبيل فريليك مدير برنامج اللاجئين. وراجع التقرير كلايف بالدوين، استشاري قانوني أول، وتوم بورتيوس نائب مدير قسم البرامج. وقدمت ياسمين يونس منسقة برنامج اللاجئين مساعدات تحريرية إضافية.

وفر إنتاج المالتي ميديا توم دال، مصور فيديو حُر، وجيسي غراهام، منتجة مالتي ميديا أولى، وفريق المالتي ميديا في هيومن رايتس ووتش. وساعد في الإنتاج كل من غريس تشوي مديرة المطبوعات، وكاثي ميلز، أخصائية المطبوعات، وفيتزروي هوبكنز، المدير الإداري.

تتقدم هيومن رايتس ووتش بالشكر لكل الإريتريين الذين وعلى الرغم من خوفهم على سلامتهم في القاهرة وفي تل أبيب، وافقوا على إجراء مقابلات لصالح هذا التقرير. كما نتقدم بالشكر لمن يعاونون اللاجئين في مصر وإسرائيل، وللقيادات المجتمعية في مصر، وللعاملين بالحكومة المصرية الذين أنفقوا من وقتهم لمقابلتنا.